نأتي الآن إلى مشكلة أخرى، وهي قضية الزوجة الموظفة ذات الراتب وحق الزوج في هذا الراتب، وماذا يحدث في هذه المشكلة؟ أول شيء: الأصل أنها في البيت تخدم زوجها، قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33] لكن قد يحصل أن المرأة تعمل في عمل مباح، بحشمة كاملة، وبيتها خير لها، لكنها تعمل في وظيفة معينة، فمن الذي عليه النفقة؟ الزوج ولا خلاف في ذلك، سواء كانت الزوجة ثرية جداً تملك الملايين، أو كانت معدمة فقيرة جداً، ولذلك بعض الأزواج يرتكب خطأ عندما يقول لزوجته: أنت عندك إرث من أبيك لماذا تكلفيني؟ أنا لا أعطيك أي شيء، عندك أموال وأراضٍ وعقارات.
هل رأيت شيئاً في الشريعة اسمه إذا كانت الزوجة ثرية فإن النفقة تسقط على الزوج؟ لا يوجد هذا.
إذا رضيت لك وجادت بأن تعطيك من مالها، أو أن تسقط النفقة عنك، وتقول: أنا أنفق على نفسي وأنت وفر مالك، قد تحتاج لأن تبني بيتاً، يمكن أن تحتاج مصروفات للمستقبل، تشتري سيارة؛ هذا من طيبها وجزاها الله خيراً إن فعلت ذلك.
بالنسبة للوظيفة، إن شرطوا عليك في عقد الزواج أن تعمل والنقود لها فلا يجوز لك أن تمنعها من العمل وراتبها لها، إذا رضيت بالشرط إلا إذا صار العمل في حرام أو في منكرات، ولا إشكال أبداً في هذا، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحق الشروط بالوفاء ما استحللتم به الفروج) لكن لو لم يكن هناك شرط، تزوجت وهي موظفة؟ فالمرأة قد تأخذ راتباً وفي بعض الأحيان يكون راتب المرأة أكثر من راتب الرجل، راتبه أربعة آلاف خمسة آلاف، وهي راتبها في التدريس مع الخبرة يصل إلى سبعة آلاف أو ثمانية آلاف، فيطمع الرجل في نقود زوجته، ويقول: بدلاً من أن تصرفيها على أهلك وجارتك وزيناتك وملابسك، أنا أحق فيها هاتيها، فيريد أن يأخذ راتبها بالقوة.
هنا لا بد أن ننظر نظرة فيها عدل، حالة ما فيها شرط في العقد، الآن الزوجة عندما تذهب إلى العمل هل تخل بشيء من حق الزوج؟ أنا أقول لكم
صلى الله عليه وسلم نعم ولا شك، لا يمكن للواحدة أن ترجع منهكة من العمل ويكون طبخها أحسن ما يمكن، وترتيب بيتها أحسن ما يمكن، والعناية بالأولاد أحسن ما يمكن، واستقبال الزوج أحسن ما يمكن، هذا لا يمكن أن يكون أبداً، لا بد أن يحدث تقصير في حق الزوج.
إذاً: يمكن أن تحدث عملية مفاهمة واتفاقية غير مكتوبة ومعلنة، كأن الزوج يقول لزوجته في هذه الحالة التي نتكلم عنها الآن: مقابل أن عندك تقصيراً في حقوقي وواجباتي فإن من المناسب أن تعطيني من الراتب شيئاً يعادل التقصير في الحقوق الذي نتج من الوظيفة التي أنت تعملين فيها، فإذا اصطلحا على نسبة تعطيها إياه من الراتب مثل النصف أو الربع، أو الثلث ونحو ذلك، فإن هذا جائز شرعاً ولا غبار عليه بل هو أمر محمود، وذلك مقابل خروجها من البيت وربما ترك الأطفال عند الخادمة أو ترك الأطفال في حضانة أو نحو ذلك، وعدم ترتيب البيت، والرجوع منهكة من العمل وربما لا تعطيه حقه في الفراش تماماً أو في الطبخ أو إلى آخره.
هناك فرق بين الزوجة في حيويتها التامة عندما تستقبل الزوج، وفرق بين الزوجة المنهكة عندما تستقبل زوجها المنهك، فإذا حصل هذا الاتفاق فهو أمر طيب جداً، ويمكن أن يتفاهم عليه شفوياً، يقول: هلا سمحت لي بجزء من الراتب مقابل الوظيفة وخروجك من البيت؟ فإن طابت نفسها فالحمد لله، انتهت المشكلة هنا، لكن المشكلة تكون إذا منعها من الوظيفة وقد شرط ذلك في العقد، والعمل ليس فيه محرم، فلا يجوز له ذلك، ولها أن تطلب الفسخ، بعض الرجال يعمد ظلماً فيستولي على جميع ممتلكات زوجته، لأنه لا يوجد شرط في العقد.
تريد أن تمنعها من العمل لك الحق، لكن لا تستول على أموالها كلها دون رضا منها، هذا حرام يا أخي يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه) لا يجوز لك أن تفعل هذا، وبلغت الدناءة ببعضهم أنه تقدم إلى خطبة امرأة عندها شهادة، يقول: أشترط لكي أتزوج بنتكم أن تشتغل وتعطيني الراتب! حصل هذا، وهذا الأخذ للاستيلاء على المال الذي يحصل أنه يسلبها راتبها كله لا يبقي لها شيئاً، والمرأة عندها -مثلاً- هدايا، صديقتها أنجبت مولوداً، تريد أن تهدي لصديقتها شيئاً بهذه المناسبة، تريد أن تهدي هدية لأمها أو لأبيها تبرهما من راتبها، تشتري شيئاً لنفسها، وهو يسلب الراتب كله ويضعه باسمه في البنك، ويقول: نحن نعمر ونبني بيتاً ونفعل، وربما يصرفه وربما يتزوج به زوجة أخرى عليها من مالها.
الزواج بالثانية حلال، لكن أن يصل الكيد إلى درجة أنه يستولي على راتبها؛ لكي يتزوج ويكون مهر الثانية هو راتب الأولى فغير حسن.
وبعض الناس ما عنده زوجات موظفات، مهنة زوجته ربة بيت -ونِعمَ المهنة! - فتقع عندها مشكلة مالية أخرى وهي مصروفات الزوجة، تريد ثياباً وأدوات زينة، وأغراضاً شخصية، هدايا إلى أهلها إلى صديقاتها، وليس لها مصروف، فتقع النزاعات؛ تقول الزوجة: أنت لا تعطيني شيئاً، الذي تعطيني قليل، الزوج: لا.
هذا يكفيك أنت مبذرة، الزوجة: أنت ظالم، أنت بخيل، الزوج: أنتِ مسرفة، ويقع المشاجرات في هذه القضية.
فالآن ينبغي للواحد أن ينظر إلى المسألة بعين العدل والإنصاف، يا أخي! إذا وسع الله عليك وسع على أهلك، وهذا شيء تؤجر عليه، النفقة تؤجر عليها، والتوسعة تؤجر عليها، وهذه أقرب الناس لك زوجتك، فإذا كان عند الرجل سعة في المال، فلماذا لا يجعل لها مصروفاً جيداً؟ وهو متأكد أنها تصرفه في الحلال إن شاء الله، أما إذا كان في الحرام فلا يعينها بقرش واحد.
الآن عندنا طريقتان للإنفاق، إما أنها تطلب ويعطيها، مثلاً: خاطت ثوباً، خاطت فستاناً، تقوم أنت وتعطيها أجرة الخياط.
تقول لك: أريد أن أشتري هدية لأهلي، فتقوم أنت وتعطيها مالاً لذلك.
الحالة الثانية: بعض الناس عندهم نظام محاسبي، يعني: يريد أن يبرمج نفسه ويمشي على نظام معين ويعرف مصروفاته ومدخولاته، فهو إنسان مرتب، قد تكون المصلحة له أن يعمل لزوجته مصروفاً شهرياً، ومما يحل النزاعات أحياناً عمل مصروف شهري، افرض -مثلاً- أعطيتها في الشهر حسب راتب الشخص ألف ريال أو سبعمائة أو خمسمائة، بحسب راتبك أنت والتزاماتك قد يكون راتب الزوج خمسة عشر ألف ريال، لكن عنده التزامات قد يعول أكثر من عائلة، وعنده بناء بيت وأقساط سيارة، فإذاً ليست المسألة فقط أن تقول: أنت راتبك خمسة عشر ألف ريال لا بد أن تعطيني، لا.
قد يكون عليه التزامات.
فإذاً: مصروف الزوجة الشهري يحدد بناء على راتبه ومصروفاته والتزاماته، والناس يتفاوتون في الالتزامات، وليسوا سواء في المستويات الاجتماعية، هناك أناس صرفهم أكثر من أناس، هناك أناس -مثلاً- اجتماعيون وعندهم عزائم وولائم، وأناس انعزاليون انطوائيون نوعاً ما، لا يدخل الضيف بيته إلا نادراً، فيكون مصروفهم أقل، البعض حجم عائلته عشرة أشخاص، وواحد حجم عائلته اثنان.
فإذاً المسالة لا بد أن تراعى فيها هذه العوامل، ثم بعد ذلك يرتب لزوجته مصروفاً شهرياً يعطيها في أول الشهر، مثلاً: إذا استلم الراتب أعطاها، هي بعد ذلك حرة توفر منه، تنفقه كله في أول يوم، تنفق منه إلى آخر الشهر هذا يرجع إليها، وهذه المسألة مجربة ونافعة في حل كثير من المشكلات المالية التي تنشأ بين الزوجة وزوجها، بدلاً من أن تتخيل المرأة أن زوجها ما أعطاها شيئاً وأنه بخيل، وبدلاً من أن يتخيل هو أنه أعطاها، أو أن يتمنى كل واحد على الآخر، يقول مثلاً: أعطيتك في تلك المرة كذا، وأعطيتك كذا، وأنتِ لا تذكرين الجميل، وأنتن تكفرن العشير، صحيح أنه يحصل منهن كفران العشير، لكن قد يكون الزوج أحياناً متعدياً في الأوصاف، فإذاً قد تحدث مثل هذه، تكون قضية المصروف حلاً، وقد يكون كل ما لزمها أعطاها، ولا يرد لها طلباً مادام معقولاً والحمد لله تمشي الأمور.