وقد نصب الصراط لكي يجوزوا فمنهم من يكب على الشمال
ومنهم من يسير لدار عدن تلقاه العرائس بالغوالي
يقول له المهيمن يا وليي غفرت لك الذنوب فلا تبال
قال القرطبي رحمه الله: فتفكر الآن فيما يحل بك من الفزع بفؤادك، إذا رأيت الصراط ودقته، ثم وقع بصرك على سواد جهنم من تحته، ثم قرع سمعك شهيق النار وتغيظها، وقد كلفت أن تمشي على الصراط مع ضعف حالك، واضطراب قلبك، وتزلزل قدمك، وثقل ظهرك بالأوزار المانعة لك من المشي على بساط الأرض فضلاً عن حدة الصراط، فكيف بك إذا وضعت عليك إحدى رجليك فأحسست بحدته، واضطررت إلى أن ترفع القدم الثاني، والخلائق بين يديك يزلون ويعثرون، وتتناولهم الخطاطيف والكلاليب، وأنت تنظر إليهم كيف ينكسون فتسفل إلى جهة النار رءوسهم، وتعلوا أرجلهم، فياله من منظرٍ ما أفظعه! ومرتقىً ما أصعبه! ومجازٍ ما أضيقه! {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة:197].
عباد الله: إن الورود على الصراط هو المقصود بقوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً} [مريم:71 - 72] فما من أحدٍ منا إلا وهو سيمر على جهنم؛ فإن نجا عرف نعمة الله عليه، وإن هلك ففي النار، فليس لأحدٍ -حتى الأنبياء- إلا وهم يمرون على جهنم ولا بد؛ لأن الله قال: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً} [مريم:71] فلا بد من الورود على جهنم؛ وقد فسر كثيرٌ من العلماء الورود بالمرور على الصراط، وقال بعضهم: بالدخول ولكنها لا تؤذي المؤمنين فينجيهم الله تعالى {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً} [مريم:72].
عباد الله: من أراد النجاة فلينجُ من الآن قبل أن يندم حين فوات الأوان.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا في ذلك الموقف من الناجين، وأن يرزقنا شفاعته عند الصراط؛ فإن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: (سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع لي يوم القيامة، فقال: أنا فاعل، قلت: يا رسول الله! فأين أطلبك؟ -هؤلاء الأولون والآخرون أين أجدك وسط هؤلاء؟ - قال: اطلبني أول ما تطلبني على الصراط.
قلت: فإن لم ألقك على الصراط؟ قال: فاطلبني عند الميزان.
قلت: فإن لم ألقك عند الميزان؟ قال: فاطلبني عند الحوض فإني لا أخطئ هذه الثلاثة المواطن) رواه الترمذي وهو حديث حسن.
فمن وفقه الله بمحبته للنبي عليه الصلاة والسلام، ومتابعته لسنة محمد صلى الله عليه وسلم، وإيمانه بما جاء به صلى الله عليه وسلم، فإن الله يرزقه شفاعة نبيه في تلك المواطن العظيمة.
فهانحن قد عرفنا حال الصراط فقط، ولا نتكلم الآن عن عذاب جهنم بل عن الصراط فقط، فماذا أعددنا لذلك اليوم يا عباد الله؟ ماذا أعددنا للجواز على الصراط؟ نسأل الله تعالى أن يردنا إلى الدين رداً جميلاً، اللهم عافنا واعف عنا، نحن عبادك المقصرون المحتاجون إلى رحمتك فلا تحرمنا من رحمتك يا رب العالمين، وأنقذنا على الصراط يا أرحم الراحمين، وارزقنا الفوز بجنات النعيم.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.