قد يقول قائل: إننا لا نعلم، لكن بعد انتشار شيء من التوعية يصعب أن نصدق أن واحداً من هؤلاء لا يعلم، أي: أو ليست لديه أية فكرة عن الحلال والحرام، إنهم من خلال الخطب والدروس وما سمعوه ووعظوا به ونصحوا يعلمون، والأشياء التي لا يعلمون بها إما أنهم معذورون بالجهل فيها، أو أنهم على معصية بعدم تعلمها لإمكانهم تعلمها، فندع هذه المسألة جانباً ولنأخذ ما نعلمه وما اطلعنا على حكمه، وما تبين لنا ونُصحنا به.
المعلومات كثرت، لكن أين التطبيق وأين التنفيذ؟ مما يفاجئك به بعض الناس في هذه المسألة أن يقول لك: ليس عندي قناعة بالحكم.
فمثل هذا الكلام كيف يزول؟ إنه يزول ببيان الدليل والحكم الشرعي، فإذا بينت المسألة، وقامت الحجة، وذكر الدليل، وسوق كلام أهل العلم، وأورد شبهة ورددت على شبهته؛ فعند ذلك إذا قال لك: غير مقتنعٍ، فإن كلامه بعدم القناعة نفاق واضح لا لبس فيه؛ لأنه يكون حينئذٍ عدم تسليمٍ بحكم الله ورسوله، أوردت له الحكم، وبينته له، وأعطيته كتاباً حول الموضوع، وشرحاً وافياً، وجواباً عن شبهة، ماذا بقي؟ بقيت قضية واحدة لا غير، ليس هناك إلا شيء واحد: نفاق عدم تسليم بالحكم الشرعي مشاغبة على الحكم الشرعي.
وهذه مسألة يجب أن يصارح فيها الشخص نفسه إذا وقع فيها، إذا تبين له الحكم بالدليل وكلام أهل العلم ثم لم يقتنع؛ فإنه لا يكون إلا منافقاً، وليس هناك احتمال ثانٍ ألبتة، ليس إلا النفاق: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65] أي: أنه لو أقره ولكن على مضض وعن كره للحكم فهو منافق، فكيف إذا ما أقر بذلك؟