السلف في موقع القدوة

نحن أيها الإخوة! ينقصنا قدوات، وينقصنا تحقيق موقع القدوة، قال الليث بن سعد: كنت في المدينة مع الحجاج وهي كثيرة السرجين، أي: الزِّبل من كثرة دواب الحجاج، فكنت ألبس خفين خفاً على خف، فإذا بلغت باب المسجد، نزعت أحدهما ودخلت، فقال يحيى بن سعيد الأنصاري: لا تفعل هذا، فإنك إمام منظور إليه، يريد لبس خف على خف، على مسألة بسيطة، قال: انتبه يا ليث أنت إمام ينظر إليك.

وفي مجلس البخاري رحمه الله رفع إنسان قذاة من لحيته وطرحها في الأرض في المسجد، قال الراوي: فرأيت محمد بن إسماعيل ينظر إليها وإلى الناس، فلما غفل الناس، رأيته مد يده ورفع القذاة من الأرض، فأدخلها في كمه، فلما خرج من المسجد، أخرجها وطرحها في الأرض، فكأنه صان المسجد عما تصان عنه اللحية، فكان أبو عبد الله محط الأنظار، قدوة.

ولذلك نقلت القصة، وكان هناك من يراقب ويشاهد، لأن هؤلاء أئمة، والإنسان إذا خالط القدوات يتعلم ويستفيد، ولذلك يقول أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله: زرت أحمد بن حنبل، فلما دخلت عليه بيته قام فاعتنقي، وأجلسني في صدر المجلس، فقلت: يا أبا عبد الله أليس يقال صاحب البيت، أو المجلس أحق بصدر بيته، أو مجلسه؟ قال: نعم، نعم هو أحق، لكن يقعد ويقعد من يريد، وأنا أردت أن أوثرك، فأقعدتك.

فقلت في نفسي: خذ إليك أبا عبيد فائدة، ثم قلت: يا أبا عبد الله لو كنت آتيك على حق ما تستحق، لأتيتك كل يوم، فقال: لا تقل ذلك، فإن لي إخواناً لا ألقاهم في كل سنة إلا مرة، أنا أوثق في مودتهم ممن ألقى كل يوم، مع أني ما أراهم في السنة إلا مرة لبعد البلدان والانشغالات ونحو ذلك، لكني أحبهم أكثر من بعض الناس الذين أراهم يومياً، ذلك الغائب أحب إلي، قلت: هذه أخرى يا أبا عبيد، أي: لا يلزم أن يكون من لا يرى باستمرار مكروهاً، أو أقل محبة.

فلما أردت القيام، قام معي، قلت: لا تفعل يا أبا عبد الله، قال: قال الشعبي: من تمام زيارة الزائر أن تمشي معه إلى باب الدار، ويؤخذ بركابه، قلت: يا أبا عبد الله من عن الشعبي؟ قال: ابن أبي زائدة عن مجالد عن الشعبي، قلت: يا أبا عبيد هذه الثالثة.

نحن يا إخوان! ينقصنا الآن نقصاً حاداً جداً وجود القدوات، وجود القدوات في المدرسين والمدرسات، فهناك مدرس خلف سور المدرسة يدخن والطلاب في الطابور، وأخلاقه شرسة، ومدرسة تقول: الكعب العالي ممنوع يا بنات، واللباس لا بد أن يكون محتشماً، وهي كعب حذائها ارتفاعه كبير، والفتحة في تنورتها طويلة، وهناك أبٌ مقصرٌ في الصلاة ويريد من أولاده أن يصلوا، ويشاهد التلفزيون ويريد من الأولاد الامتناع، كيف سيحدث هذا؟!!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015