لقد بين الله سبحانه وتعالى السبب الذي من أجله جعل الرجل قائماً على المرأة، فقال: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء:34] استحقوا هذه المزية بتفضيل الله للرجال على النساء بما فضلهم به من الصفات في العقول والأجسام، فأما من جهة العقل فإن الرجل غالباً هو الأعقل -مع وجود نساء أعقل من بعض الرجال، ولكن الحكم للأعم الأغلب، والشريعة لا تأتي بالحكم للنادر والقليل- بما جعل الله للرجل من العقل الراجح على المرأة، وكذلك الجسم، ولذلك كان الغزاة وقواد الجيوش، والحكّام، والأمراء، والخلفاء في الشريعة الإسلامية جميعاً من الرجال، فلا يجوز في الإسلام أن تكون المرأة هي الخليفة، أو الحاكم، أو الأمير، أو القاضي، فلابد أن يكون الرجل هو الذي يتولى هذه الأمور، والجهاد في الإسلام على الرجال، والمرأة تؤدي أدواراً جانبية في الجهاد كمداواة الجرحى، والسقي إذا أمنت الفتنة، وربما تضطر المرأة أحياناً لحمل السلاح في الحالات الاضطرارية، لكن أن نجعل هناك جيشاً من النساء، فهذا ليس من شريعة الله، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الحج جهاد كل ضعيف) وفي الرواية الأخرى الصحيحة (جهادكن الحج) لأن المرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن الله فضل الرجال بكذا وكذا، ويجاهدون معك، فماذا لنا نحن من الجهاد؟ فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (جهادكن الحج) فجعل الحج هو جهاد النساء.
إن المرأة مكفية محمية، والعتب على الرجال الذين يضيعون نساءهم، فلا يقومون بأمرهن، وربما تركها الواحد تسافر بغير محرم، أو يهجر البيت ويسافر فترة طويلة، وربما تكون المرأة معرضة لمن يسطو على البيت، أو يقتحم البيت ونحو ذلك، فنقول: لا يجوز ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت) فالعتب على بعض الذين يخرجون بحجة الدعوة ويتركون نساءهم في البيوت مضطرات إلى الأجانب، فتركب سيارة أجرة بمفردها، أو تذهب لشراء الأغراض بمفردها، وقد تكون وحيدة في البيت، أو معها أولاد صغار لا تأمن على نفسها، فهذا من التضييع المحرم ولا شك، ولذلك كان عمر رضي الله عنه وأرضاه لا يؤخر الزوج عن زوجته في الجهاد أكثر من أربعة أشهر أو ستة؛ على خلاف بين أهل العلم في المدة القصوى في ابتعاد الرجل عن زوجته، وكم تتحمل المرأة من فراق الزوج، ولذلك كان الذين يهجرون زوجاتهم فترات طويلة من الزمن متسببين في وقوع الزوجات في الفاحشة والحرام، وهذا واضحٌ في زمننا أشد الوضوح، فإنك لا تزال تسمع عن القصص الكثيرة المؤلمة والمأساوية التي وقع فيها عدد من النساء في الحرام، نتيجة هجر الزوج لزوجته، أو ترك البيت، أو السفر الطويل، فكان لابد من المحافظة على الزوجة.
ويوجد بعض العمال الذين يذهبون للعمل والوظائف في البلدان الأخرى ملزمين في الشريعة باستئذان زوجاتهم إذا أرادوا الغياب عنهن أكثر من أربعة أشهر أو ستة، فإذا كان عقده سنوياً، ولا يأخذ إجازة إلا شهراً في السنة، وأحياناً لا يأخذها إلا كل سنتين مرة، فما حكم غيابه عن زوجته؟
صلى الله عليه وسلم حرام لا يجوز إلا إذا وافقت الزوجة، ولم يكن عليها ضرر، ولا فتنة، ويجب عليه أن يستأذنها، فيقول: إني أريد الغياب في طلب الرزق أكثر من ستة أشهر، فهل تسمحين لي بذلك؟ فإن سمحت بهذا الغياب الطويل، وكانت في مكان آمن وليس عليها خوف من فتنة، جاز له هذا السفر الطويل، وإلا لم يجز، ولزمه أن يعود إليها.