السكن

وأما بالنسبة للسكن فإن العلماء قالوا: ليس للرجل أن يجمع بين امرأتين في مسكن واحد بغير رضاهما، صغيراً كان أو كبيراً؛ لأن عليهما ضرراً لما بينهما من الغيرة، واجتماعهما في بيت واحد يثير الخصومة، وتسمع كل واحدة منهما حسه إذا أتى الأخرى، أو ترى ذلك، لكن إذا رضيتا جاز؛ لأن الحق لهما، فلهما المسامحة.

فإذاً: يجب على الزوج أن يسكنها في دار تصلح لمثلها، فيها مقومات البيت التي لا بد منها، ولا يسكن زوجتين في بيت واحد إلا بإذنهما، وإلا فالأصل أن كل واحدة لها بيت مستقل، إلا إذا رضيتا بأن تكونا معه في بيت واحد؛ فإن الحق لهما.

ومن كفاية المسكن: أن يكون بين جيران صالحين؛ لتأمن أذاهم، ولهذا فإن البيت إذا كان فيه جيران سوء، لا تأمن المرأة على نفسها منهم، وربما تسوروا عليها سور البيت، وربما حاولوا إيذاءها، أو النظر من خلال النوافذ، ونحو ذلك، فإن هذه الدار لا تصلح سكناً لها في هذه الحالة.

وأما بالنسبة لأثاث المسكن، فإن البيت لا بد أن يحتوي ما تتهيأ به حاجة المرأة من أثاث لنومها وجلوسها، وما تحتاج من أدوات الطبخ والطعام، ونحو ذلك؛ لأن المرأة ليس عليها إلا تسليم نفسها في بيته، وعليه أن يهيئ لها جميع ما يكفيها بحسب حالها، من أكل، وشرب، ولبس، وفرش، وأثاث، وأدوات منزلية، ولذلك نص الفقهاء على أنه يهيئ لها آلة الطحن، والخَبز، وآنية الشرب، والطبخ، وسائر أدوات البيت، والأثاث، كحُصُر وطنفِسَة -التي يجلس عليها- لكن هذا كان في السابق، حيث كان عندهم هذه الأشياء.

وقال صاحب كشاف القناع رحمه الله: وللنوم: فراش، ولحاف، ومخدة، وملحفة؛ لأنه معتاد، وللجلوس بساط من صوف.

لأن هذا هو المعتاد عندهم، والآن يوفر لها سريراً، ويوفر لها ما تجلس عليه في البيت، ويوفر لها ما تطبخ به من قدور، وسكاكين، وملاعق، وما تحتاجه، والآن صارت الثلاجة من الأساسيات، ولم تكن عند العلماء من قبل؛ فلا بد من أن يوفر لها هذا، فإذا كان من المعروف أن يشتري لها غسالة اشترى، ولا يقول: اغسلي على يديك، وافعلي على يديك، مادام هذا صار عرف البلد مما يؤتَى به للزوجة لا شيء في مغالاة، ولا هو خارج عن العادة، ولا هو خارج عن الحد، مثل الغسالة، والثلاجة، فقد أصبحت هذه أشياء لا بد منها وهي من توابع السكن.

كذلك مثلاً: البيت اليوم في مثل هذا البلد، لا يمكن أن يُعاش فيه في الصيف من غير تكييف وشيء يلطف الحرارة؛ لأن الجدران الإسمنتية والمسلح بالحديد من الداخل يكنز الحرارة، ولا يمكن أن يطيق الإنسان العيش فيه، ولذلك بيت بلا تكييف لا يُعتبر مسكناً يسد الحاجة.

والإنسان مطالَب أيضاً على قدر حاجته، وعلى الزوجة ألا تقول: اشترِ لي آخر ما وصل إليه العلم والتكنولوجيا من العصارات والفرامات، وهات، وهات لا بد أن تجدد الأثاث كل ستة أشهر، مللنا من الكنب، ومللنا من غرفة النوم، ومللنا من كذا، ولا بد أن تجدد، هذا إسراف وتكليف للزوج وخروج عن المألوف، وهو غير مكلف بإعطائها ذلك، ولا بالاستجابة لها.

قال ابن قدامة رحمه الله: يكون المسكن على قدر يساره وإعساره، لقوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق:6] فإذا كان يستطيع بيتاً مستقلاً فيسكنها بيتاً مستقلاً، وإذا لم يستطع فيسكنها شقة، ثم الشقق تختلف، هناك شيء بغرفة ومجلس وصالة ومطبخ وحمام، وهناك شيء بغرفتين، وشيء بثلاث، وشيء بأربع، وشيء بأكثر، فهو يسكنها على قدر ما تحتاج، على قدر ضيوفها، وحاجتها، وأولادها.

فإذاً: السكنى على حسب حال الزوج، الله يقول: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق:6] من وجدكم: بحسب ما يتيسر لك فعليك أن تسكِن.

ثم إن الزوج إذا امتنع عن أداء النفقة فإنه يجوز للزوجة أن تأخذ مما تصل إليه يدها من ماله، بقدر ما يكفيها ويكفي ولدها إن كان لها ولد، ولو كان بغير إذنه، تأخذ بالمعروف وبالقدر الذي عُرِف بالعادة بالكفاية، هذا أباحه النبي صلى الله وعليه وسلم.

وإن امتنع وأخفى المال وما أبقى فلساً في البيت، فيجوز لها أن تذهب إلى القاضي تطالب بالنفقة، ويرتب القاضي لها نفقة، ويجبره على الدفع والإنفاق عليها ولها أن تطالب؛ لأن هذا حقها، لا بد أن يسلِّم لها حقها.

وكذلك فإن على المرأة أن تحفظ مال زوجها في البيت، وسنأتي على ذلك في الحلقة الأخيرة من حقوق الزوج على زوجته.

وقلنا: هذه النفقة تسقط بأشياء كثيرة، وذكرنا بعض هذه الأشياء، ومنها: سقوط النفقة بالطلاق: إذا انتهت العدة ما لها نفقة، إذا مات الزوج ليس لها نفقة بعد وفاته وانتهاء عدة الوفاة، وإنما تأخذ إرثها، ويكون هذا هو الذي انتهى إليها من حقها مما جاء من قِبَله.

والمسألة على وجه العموم -أيها الإخوة- كما قلنا: بالمعروف، ينبغي أن يكون كل شيء بالمعروف، والزوج لا يحتاج أن يقول: أمشي على ما ذكر الفقهاء من الواجب، وما لي إلا واجب، نقول: لا، إذا أعطاك الله ويسَّر عليك وسِّع عليها، وأنت مأجور في كل ما تنفقه عليها، وكل ما توسِّع به على أهلك، وخصوصاً في الأعياد، لِمَا هو في معنى العيد من التوسعة على الأولاد، والأهل، والزوجة، التوسعة عليهم بالهدايا، بالطعام، بالكسوة، بالذهب، والحلي، يوسع عليها.

ولذلك ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن مَن جعل يوماً معيناً يوسع فيه على أهله، يعود ويتكرر، يوسع فيه ويعطيهم نفقات وأشياء، فإنه في معنى العيد، ويكون هذا التعيين محرماً، مثل ما يحدث في بعض الاحتفالات التي يسمونها الآن بـ (القِرْقِيْعان)، والتي سنأتي عليها في هذه الأيام، ترى بعض الآباء يشترون للأولاد هدايا وتوسيعات، حقوقاً وأشياء، ويفرحونهم بهذا اليوم المعين، وهو الخامس عشر من رمضان أو الرابع عشر أو قبله أو كذا، ويُجعل احتفالاً ويُجعل فرحةً للأولاد في يوم معين، ويُشترى فيه أشياء وأكسية معينة للـ (قِرْقِيْعان)، وحلويات معينة، ومكسرات معينة لأجله، وقد أصدرت اللجنة الدائمة للإفتاء، برئاسة سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز فتوى بتحريم الاحتفال بهذا، وقطع الطريق على من يريد إضافة أعياد أخرى حتى على مستوى الأطفال، بل إن فرحة الأطفال بـ (القِرْقِيْعان) هذا أشد من فرحتهم بعيد الفطر والأضحى في بعض الحالات، ثم إنه طبعاً صار وسيلة للرقص، وعرض المحرمات، ومشاركة البنات الكبيرات، وصارت مؤخراً -يا جماعة- احتفالات في الفنادق، حفلة (قِرْقِيْعان) في الفندق الفلاني، ونساء وبنات كبيرات.

فانظروا ما يجر إليه الشر، يجر بعضُه بعضاً! وتنمو هذه الأشياء وتكثر! وتأسَّسَ عيدٌ عند الناس، وهكذا تكون البِدَع، وتستشري، وتستفحل.

نسأل الله السلامة والعافية.

ومن تأمل في الواقع عَرَف كيف يؤتى المسلمون من إحياء هذه الأمور التي يجب أن تمر كأي يوم آخر، ولا يكون التوسعة والفرحة والعيد الذي يعود ويتكرر إلا الفطر والأضحى.

هذا نهاية الكلام عن موضوع نفقة الزوجة.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من الكرماء الأوفياء القائمين بحقوق الزوجات والأولاد.

والله تعالى أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015