الطعام

أما بالنسبة للنفقة، فإن نفقة الطعام تختلف باختلاف قوت البلد، وما كان غالباً على قوت البلد يجب على الزوج أن يأتيها به، في ما يسد كفايتها, وهذا الواجب ينبغي أن يكون معلوماً، خصوصاً عند حدوث الخلاف أو الشقاق، فيما يجب عليه في قضية النفقة.

ونحن في الأحوال العادية ربما لا نَسأل عن ذلك، ولا نحتاج إلى أن نعرف أن على الزوج الموسر مُدَّان من الطعام كل يوم لزوجته، لا داعي لهذا، فهو يشتري الطعام، ويأتي به للعائلة كلها، وهي تطبخ له ولها وللأولاد؛ ولكن إذا علمنا أن هناك بعض الأزواج بخلاء للغاية، حتى الطعام لا يأتون به إلى البيت، وربما تجلس المرأة ما عندها خبز في البيت، ولا ترى اللحم، وربما مِن بُخله يقول لها: اذهبي واستعيري من الجيران، خذي من هؤلاء خبزاً، ومن هؤلاء لحماً، ومن هؤلاء خضاراً، ومن هؤلاء فاكهةً.

ولذلك ترى المسكينة إلى أي شيء تحتاج وتُدفع! تطرق الأبواب وزوجها مِن بُخله لا ينفق عليها، لو كان فقيراً لقلنا: مسكين، يُعطَى من الصدقات ومن الزكاة ومن الجيران ومن غيره، لكن بعض الناس عنده البخل والعياذ بالله مرض مستحكم، ولذلك الجيران يقولون: طبخة هؤلاء الجماعة علينا مقسطة، يأخذون الخبز من هؤلاء، والطماطم من هؤلاء، والخضار من هؤلاء، واللحم من هؤلاء، ويستلفون حتى الملح، أعطونا ملحاً، أعطونا كبريتاً، أعطونا، ما عندكم حفائظ أطفال؟ ما عندكم؟ ويستعيرون فعلاً أشياء يخجل الإنسان من ذكرها، بسبب بخل الرجل.

ولذلك عندما نفتح ونقرأ في كتب أهل العلم، وأنهم أوجبوا على الزوج وماذا يجب عليه في النفقة بالتحديد، ماذا يجب عليه من الطعام، وماذا يجب عليه من الإدام، وماذا يجب عليه في اللحم، وماذا يجب عليه في الماء، وماذا يجب عليه في الملابس، وقضية النفقة في الشتاء والصيف، فهذه المعلومات مهمة في مسألة إلزام الزوج البخيل بإخراج النفقة، وبإعطائها إياها، فإن بعض الناس والعياذ بالله ربما لا يدفع إلا تحت تهديد القاضي.

فالشاهد: أن ما غلب على البلد من الإدام والطعام، ما هو مستعمل فيه من زيته وسمنه وجبنه وتمره وخله وملحه ونحو ذلك، فإن عليه أن يأتيها بكفايتها.

وهذا أيضاً متعلق بيسار الزوج وإعساره وتوسطه، فإذا كانت عادة أهل البلد تناول اللحم في كل يوم، كان لها ذلك، ولا يتقدر بوزن، وينبغي عليه أن يأتيها به، وللزوجة كذلك على زوجها ماء الشرب، ذكر ذلك الفقهاء، وربما يستغرب البعض هذا، ولكن في بعض الأماكن لا يكون الماء واصلاً إلى البيوت، فعليه أن يأتي بالماء إلى البيت ولا يتركهم بغير ماء، وربما ينقطع الماء في بعض البيوت، وربما ينقطع يوماً أو يومين متواليين أو أكثر، فمن النفقة أن يأتي لها بالماء، ينبغي أن يَعْلَم ذلك.

وهذه النفقة مقدرة بالكفاية: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:233] أوجب الله النفقة مطلقاً غير مقيدة بتقدير وسمَّاها رزقاً: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} [البقرة:233] يجب أن يرزق زوجته، ورزق الإنسان كفايته في العرف والعادة.

ولما جاءت هند امرأة أبي سفيان، قالت: (يا رسول الله! إن أبا سفيان رجل شحيح، وإنه لا يعطيني ما يكفيني وولدي، فقال صلى الله عليه وسلم: خذي من مال أبي سفيان ما يكفيك وولدك بالمعروف).

فإذاً: يجوز للمرأة أن تأخذ كفايتها، فإذا ما أتى لها بالطعام تأخذ مالاً من جيبه وتشتري به طعاماً، وتأتي بالحاجة إلى البيت.

فإذاً: نفقة الزوجة مقدرة بكفايتها، وبعض العلماء قالوا: يقدر بمُدَّين من طعام في اليوم، ويقدر بكذا من اللحم، ولكن الراجح أنه بحسب الحاجة، بدليل الحديث: (خذي من مال أبي سفيان -وهو زوجها- ما يكفيك ويكفي ولدك بالمعروف).

فإذاً: هذا هو الصواب في المسألة، ويترتب على كون نفقة الطعام للزوجة مقدرة بكفايتها، أنه يجب على الزوج لزوجته من نفقة الإطعام قدر ما يكفيها من الطعام، كالخبز والإدام والدهن ونحو ذلك مما يؤكل مأدوماً، والله تعالى قال في كفارة إطعام المسكين: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة:89] يعطِي المسكين في كفارة اليمين من أوسط ما يطعم أهله، {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة:89].

إذاً ينبغي أن يكون هذا هو ما يعطَى للزوجة، ما يكفيها ويسد حاجتها، ولا يقول: كُلِي خبزاً طيلة الشهر، أو طيلة السنة، ما هنا إلا الخبز، يكفيك الخبز، ولن تموتي من الجوع، نقول: لكنه ليس بالمعروف! أين المعروف؟ فينبغي أن يكون طعاماً بالمعروف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015