ثم من أسباب المعاشرة بالمعروف، ومما يعين على المعاشرة بالمعروف: أن يعرف الزوج مركزه في البيت: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة:228] أن يتذكر ذلك دائماً، ولا ينساه، أن له القوامة على زوجته، والرياسة على عموم العائلة، وأن أمره نافذ، وطاعته واجبة في غير معصية الله، وزوجته كالرعية بالنسبة إليه، وكالأسيرة بين يديه، والشأن في المسلم الذي يخاف الله، ويتذكر نعمه، وفضله عليه، أن جعله بمركز الراعي لزوجته، وهي كالأسيرة بين يديه، الشأن به أن يترفق بزوجته، ويحسن إليها، وألا يكون فظاً غليظاً معها.
ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة:228]: [الدرجة إشارة إلى حض الرجال على حسن العشرة، والتوسع للنساء في المال والخُلُق] يعني: يتحامل الإنسان على نفسه.
فالمأمول والمرجو من الزوج المسلم أن ينأى بنفسه عن التعسف في استعمال سلطته الزوجية، وألا يسيء استعمال هذه السلطة ولا يستغل مركزه في البيت على نحو يضر بالزوجة، وليعلم أنه إذا ازداد تسامحاً مع زوجته وعفواً عندما يتكرر التقصير فإنه في هذه الحالة يصل إلى مبتغاه، من جهة أنه يجذبها إلى أن تتراجع عما هي متعنتة فيه عندما ترى عفوه ومسامحته.
ولا شك أن القوي يستحي من إظهار عضلاته على مخلوقة ضعيفة.
والرسول صلى الله عليه وسلم لَمَّا شبه المرأة بأنها عانية عند زوجها، أي: أسيرة، ومعنى أسيرة: أنها مغلوبة على أمرها، وأنه هو المتحكم فيها، فينبغي أن يحسن إلى الأسيرة الموجودة عنده، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (ألا واستوصوا بالنساء خيراً، فإنما هن عوان عندكم) وعوان: جمع عانٍ، والعاني هو: الأسير، وقوله: (فكوا العاني) العاني هو: الأسير.
فالمعاشرة بالمعروف: واجب على الزوج نحو زوجته كما هي واجب عليها نحو زوجها، وهذا ما أكده الإسلام وحث عليه، ولذلك رخص الكذب لأحد الزوجين فيما يُسْتَجْلَب به المودة، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: (لا أعده كذباً، الرجل يصلح بين الناس، الرجل يحدث امرأته، والمرأة تحدث زوجها) ومعنى هذا: أن الإنسان لو قال لزوجته مثلاً: إن هذا أحسن طبخ رأيته وطعمته في حياتي، وإن هذا أفضل أكلة أكلتها، ونحو ذلك، وهذا الكلام فيه مبالغة؛ لكن الرجل يتوسع فيه من أجل تأليف قلب زوجته، ولو أنها قالت له: أنت أكرم رجل في الدنيا ممن رأيت أو ممن عرفت ونحو ذلك، ولو كان هناك أكرم منه ممن تعرفهم من أقربائها مثلاً، فإن هذا الكلام لتأليف قلب زوجها لا بأس به ولا حرج، ولا يُعتبر كذباً.
فالكذب من أجل إصلاح ما بين الزوجين، أو تأليف كل واحد منهم للآخر لا بأس به.