الحمد لله رب العالمين، الحمد لله رب الأولين والآخرين، الحمد لله خالق السماوات والأرضين، وأشهد أن لا إله إلا هو الحي القيوم، وحده لا شريك له، هو الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون، وأشهد أن محمداً رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أيها المسلمون: يا عباد الله! ومن أعظم أنواع الصلح الصلح بين الزوجين المتخاصمين، فإن الأسر تقوم على المحبة والألفة وتدوم بدوامها، فإذا انتهت المحبة والألفة وحل الشقاق، صار الفراق، ولابد للمصلحين من القيام بواجبهم تجاه الأسر المتفككة والسعي في الإصلاح بين الأزواج، وقد قال الله عز وجل عند حصول الشقاق: {فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء:35].
إذا كانت النية طيبة جاءت النتيجة طيبة: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء:35].
وندب الله تعالى إلى المصالحة بين المرأة وزوجها، وقال الله عز وجل: {فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء:128].
الصلح خيرٌ من الشقاق، الصلح خيرٌ من الفراق، الصلح خيرٌ من البغضاء التي تقوم في النفوس.
قالت عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما في قوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً} [النساء: 128] قالت: [هو الرجل يرى من امرأته ما لا يعجبه -كبراً أو غيره- فيريد فراقها، فتقول: أمسكني، واقسم لي ما شئت، قالت: ولا بأس إذا تراضيا].
فإذا أراد أن يطلقها إيثاراً لزوجته الأخرى مثلاً، فقالت الأولى: أمسكني عند أولادي، وأبيحك من ليلتي، فهذا جائز، وقد جعلت ذلك سودة رضي الله عنها، أو تصطلح معه على أن تضع عنه شيئاً من النفقة، وتتنازل له عن شيءٍ منها من أجل أن تدوم الحياة الزوجية لقوله تعالى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء:128].