الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي المتقين، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده.
أيها الإخوة: سنتحدث في هذه الليلة إن شاء الله عن عبادة عظيمة من العبادات، وموضوعٍ مهمٍ من المهمات وهو: حلق العلم، وشيء من فضلها وآدابها وشروطها، ونظرة نقدية لواقع حلق العلم التي يجلس فيها بعض الشباب، بل وبعض النساء أيضاً لنتعرف على شيءٍ من الآداب، وفي ذات الوقت الآفات التي تحيط بهذه القضية.
أما بالنسبة للعلم، فإن طلب العلم من أجل العبادات وأفضل القربات، وهو حياة القلوب ونور الأبصار، به يطاع الله عز وجل ويعبد، وبه يحمد الرب ويوحد، وبه توصل الأرحام، ويعرف الحلال من الحرام، فتعلمه حسنة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله قربة، وهو الأنيس في الوحدة، والصاحب في الغربة، والدليل في الظلمة، والسنان على الأعداء، وأهل العلم في المنارات العالية، قال الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة:11] وفضل العالم على العابد كفضل النبي صلى الله عليه وسلم على أدناكم كما خاطب بذلك أصحابه، ولم يأمر الله نبيه أن يطلب الزيادة من شيء إلا من العلم، فقال: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:114].
وهو دليلٌ على توفيق الله للعبد، قال عليه الصلاة والسلام: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) وفي حكمه جاء حديثه عليه الصلاة والسلام: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) ونافلة العلم أفضل من نافلة العبادة، كما ورد في الحديث الصحيح () فضل العلم أحب إلي من فضل العباد) والملائكة ترضى عن طالبه بقوله عليه الصلاة والسلام: (وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضىاً بما يصنع) وكل وسيلة مشروعة لتحصيله فهي طريقٌ مؤدية إلى الجنة لقوله صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً، سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) وحلق العلم من أعظم الوسائل الموصلة إلى العلم، ولذلك فإن هذا السبيل وهو حلق العلم من أعظم السبل المؤدية إلى الجنة.
ولذلك كان حرياً بنا أن نتفطن لهذه القضية؛ وهي الاهتمام بحلق العلم، لأنها السبيل العظيم الموصل إلى الجنة، وقد وردت أحاديث في فضل حلق العلم عظيمة، منها ما هو مقيدٌ بالمسجد، ومنها ما هو مطلق، فمن الأشياء المقيدة بالمسجد حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده) وفي إتيان المساجد لتعلم القرآن، قال صلى الله عليه وسلم: (أيكم يحب أن يغدو كل يومٍ إلى بطحان أو إلى العقيق، فيأتي منه بناقتين كوماوين زهراوين في غير إثمٍ ولا قطيعة رحم، فلأن يغدو أحدكم إلى المسجد، فيتعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله خيرٌ له من ناقتين كوماوين، وثلاث خيرٌ له من ثلاث، وأربع خيرٌ له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل) حديثٌ صحيح رواه الإمام أحمد وغيره، وهذا دليلٌ عظيمٌ على استحباب إتيان المساجد لحلق الذكر، أما غير المساجد، فقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (لا يقعد قومٌ يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده).