القضية الثالثة -وإن كانت بعض القضايا متداخلة لكن نريد تفصيلها لأهميتها: قضية المرأة.
وإن كنا نقول: إن معظم ما سبق من الحديث وما سيأتي وأنواع هذه المجلات إنما يستهدف المرأة أساساً أو يستخدم المرأة، يعني: هو يستهدف المرأة؛ لأن استهدافها وفتنتها وفسادها يترتب عليه شر كبير.
ونحن نعلم أن كثيراً من المجلات يعتمد ترويجها على الصور التي تشكل نسبة كبيرة من صفحات هذه المجلات من صورة الغلاف التي يذهب أصحاب هذه المجلات أو الموزعون لها، ويحرصون على أن تكون الصورة لأجمل الفتيات، بل يسافرون لأجلها إلى عواصم أوروبا وأمريكا وإلى بلاد عربية وشرقية؛ ليأتوا بالصورة المناسبة، وبالتركيز المناسب، وبالأوضاع السيئة التي هي لهم مناسبة، ويستخدمون في ذلك شتى الوسائل.
وهذه القضية بالنسبة للمرأة تعتمد على ثلاثة أشياء: أولاً: حرق الحجاب وإبطاله في الواقع مباشرة، ولذا فإن الصور كلها بدون الحجاب، بل فيها عري، وفيها تهتك، وفيها إغراء.
وأيضاً إبداء قضية الحجاب من خلال الحوارات أنها قضية ليست لها صلة بدين، وأنه ينبغي أن تكون قضية مفروغاً منها.
ثانياً: قضية الاختلاط، وأيضاً تكريس المقالات والآراء والصور وكل خدمة في هذه المجالات لتكريس هذه النقطة.
ثالثاً: قضية المساواة والمزاحمة في العمل، وإبراز عمل المرأة، وأن أول امرأة تقود الطيارة هي فلانة، أول امرأة في بلد كذا تدخل قسم الشرطة، وأول امرأة كسرت حاجز الخوف ودخلت الدفاع المدني.
ويُكرس هذا الجانب بشكل ملفت للنظر ليؤثر في نفوس النساء وخاصة المراهقات، ويبقى التعلق بمثل هذه الصور والحرص عليها مع الفتن الأخرى التي تبثها الشاشات الفضائية، وتلتقطها الأقمار الصناعية، فتتكامل الصورة وإذا بنا في موجة تتوجه فيها النساء وتتوجه فيها المرأة إلى كل ما فيه هتك للحياة، وكل ما فيه فتنة وتعطيل لها عن مهمتها.
ومن هنا تظهر الجريمة، وتتكاثر، ويشكو الناس، والحقيقة أنهم لا يبحثون عن الأسباب، وسنعرض لبعض هذه الوقائع أيضاً من الجرائم.
وأذكر أمثلة أيضا لقضية المرأة في الصحافة: تجد تعليقاً يقول: المرأة روح السوق؛ إنها تضفي البهجة بألوان ملابسها الزاهية وشطارتها في الفصال والبيع والشراء، يعني: هي لابد أن تكون جسداً بلا روح لا قيمة له، والسوق بلا مرأة لا قيمة له، وهذا هو المعنى الحقيقي المتجسد في الواقع من خلال هذه الإثارة؛ إذ يريدون أن تكون المرأة في السوق؛ لتكون متبرجة؛ ولتكون مختلطة؛ ولتكون بعد ذلك أقرب إلى الوقوع في الفواحش وفي الجرائم، بل وقوع الجريمة عليها حينئذٍ أيسر وأسهل؛ لأنها خرجت وتجاوزت حدود الشرع والحصون المنيعة التي أحاطها بها هذا الدين وحماها بها، وكل ذلك يحصن من هذه المعاني التي تُزف وتُوضع -كما يقولون- مثل السم في الجسد.
وأيضاً تجد تعليقات على بعض القضايا المهمة في حياة المرأة، مثل: الزواج المبكر؛ فتُشن حرب شعواء على الزواج المبكر، وأنه لابد أولاً أن تنتهي من الدراسة، وأن تأخذ الشهادة، بل أن تأخذ الشهادات العليا؛ لأن الزمان غدار؛ ولأنها لا تأمن الأزواج؛ لأن الرجال ليس لهم أمان؛ ولأن الشهادة أمان من الفقر، وسلاح في مواجهة الحياة، وتُكرس هذه المعاني، حتى يتأخر سن الزواج عند النساء الذي هو في الأصل ينبغي أن يكون متقدماً.
يقول الشافعي رحمه الله: رأيت جدة في اليمن لها إحدى وعشرون سنة.
وهذا كما يقول الفقهاء: إن أقل سن تحيض فيه المرأة وتبلغ هو تسع سنوات؛ فهذه تزوجت وهي بنت تسع، ثم أنجبت وكان عمرها عشر سنوات، وابنتها بعد تسع سنوات تزوجت، فصارت بعد سنة قد أنجبت، فصار عمر الأولى إحدى وعشرين سنة، وهي جدة، وأما الآن فعمر الواحدة إحدى وعشرون سنة وهي عانس لم تصبح زوجة حتى تصبح أماً فضلاً عن أن تكون جدة! وأيضاً ارتفع مستوى الأعمار؛ ففي كثير من البلاد العربية والإسلامية معدل الزواج بالنسبة للرجال من خمس وثلاثين إلى خمس وأربعين، وبالنسبة للنساء -على تفاوت في بعض البيئات- من خمس وعشرين إلى خمس وثلاثين وإلى أربعين! ونحن نعلم أن الأربعين -كما يقولون- سن اليأس، وكثير من هؤلاء النساء لا يحببن أن يقعن في هذه القضايا بمثل هذه الصورة التي تُكرس في المجتمع.
ويتحدثن بأحاديث لا يقبلها العقل، وهن أنفسهن أول من يعلم أنها أحاديث كاذبة، ومن هذه الأحاديث: أنها تجد متعتها في العمل وفي الكفاح، وأن الزواج أمر عارض، وأن المرأة شخصيتها في ثقافتها وعلمها وكذا، لكن في حقيقة الأمر تظهر الاعترافات، كما ظهرت على صور شتىً، منها: ما نشر في اليمن قبل فترة لا بأس بها: قصة الطبيبة التي قالت: خذوا كل شهاداتي وكل مؤهلاتي وأعطوني طفلاً واحداً! فهذه سنة الحياة، وغير ذلك مغالطة.
وبعض المقالات تقول: الزواج المبكر في كثير من الأحيان يعني: الطلاق المبكر.
إذاً: معنى ذلك التنفير من مثل هذا الأمر.
وفي هذه المجلات أيضاً كلام على بعض قصص الأفلام وما يُعرض فيها، حتى تكون قضية المرأة قضية انحلال، ومن ذلك ما نشرت مجلة (صباح الخير) عن فلم اسمه (الجسد) يركز على أن المرأة في كل أحوالها ليست عقلاً، وليست ثقافة، إنما هي جسد للمتعة فقط! ويستطرد الكاتب في تفاصيل نفس الفلم، لكنه في نفس الوقت يروج لمثل هذه الأمور.
ومن أهم القضايا التي تُكرس في قضية المرأة: الحوارات والمقابلات وقضية المشكلات، وأغلب المجلات عندها عناوين: مشكلات، مشكلة وحل، الحل والمشكلة، وما إلى ذلك.
وطبعاً المشكلة هي في الحب والغرام! والحل غالباً ما يكون متلبساً بالطيش والحرام! ومن ذلك أنك تجد من تكتب وتقول: تعرفت وأنا عمري ثماني عشرة سنة على شاب أثناء رحلة إلى الخارج تقوم بها المدرسة للمتفوقين من الطلبة وتسرد القصة، والغرض هو أن الذي يقرأ القصة أو التي تقرأ القصة تعتبر أن هذه الأمور أصبحت قضية لا حرج فيها.
فكونها تعرفت على إنسان معناه: أنها سافرت من غير محرم، واختلطت بالرجال، وكأنه ليس هناك إشكال، ثم تذكر بعد ذلك كيف أصيبت، وأدخلت المستشفى، وكان هذا الشاب يزورها، ثم الخطابات التي كانت بينهم! وهي قد تكون قصة حقيقية، وقد تكون غير حقيقية، لكن يُراد من خلالها أن يتسرب الفساد؛ مثلما يكون الإنسان في غرفة فيها بعض الغبار أو الغازات، ثم يمشي في الغاز شيئاً فشيئاً حتى يُخدر وهو لا يشعر، وهذا هو المقصود من مثل هذه القضية.
وأيضاً تجد التكريس على التحرر من العادات والتقاليد، وأن المرأة لا بد أن تتحرر من عادات وتقاليد، ولا يقولون: إنهم يدعون إلى مخالفة دين، فتجد فتاة تقول: حقيقة أنني لم أعد أرى تلك المراهقة التي تتعلق بذراع هذا الشاب كما كنت في السابق، وذلك حينما خرجت عن كل التقاليد التي ألفتها في الوطن! وهذه كلها تُكرس في مثل هذه القضايا.
وطبعاً تكاد تكون معظم هذه المجلات التي تتعلق بالفن وبالمرأة تدخل في هذا الجانب.