ولست أمضي أكثر من ذلك، وأظنكم تشاركونني معرفة هذا الفوز، وربما سمعتم عنه، وعلمتم من خبره أكثر مما أعلم، ونحن اليوم في هذه الوقفة لا نريد أن نتحدث باللسان الشرعي الذي يفصح عن الآيات والأحاديث أو يعرج على الأحكام والأوصاف؛ فذلك ما لا يقبله بعض أولئك الذين لم يعد يعنيهم أن يكون الأمر فيه قرآن أو سنة؛ ولذلك لن أقف أمامكم لأتحدث عن الغناء أو حكمه، أو أقف عند قوله جل وعلا: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [لقمان:6] وما نقله ابن كثير وغيره من المفسرين عن ابن مسعود بسند صحيح أنه قال: (هو الغناء).
وفي رواية أنه قال: (هو والله! الغناء).
وفي رواية ثالثة قال: (هو الغناء، والذي لا إله إلا هو! ورددها ثلاثاً).
قال ابن كثير: وبهذا قال ابن عباس وجابر وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد ومكحول وعمرو بن شعيب وعلي بن بذيمة رحمهم الله جميعاً.
ولن أقف معكم لأنقل قول القرطبي في تفسيره وهو يقول: الغناء المعتاد عن المشتهرين به الذي يحرك النفوس ويبعثها على الهوى والغزل والمجون، الذي يحرك الساكن ويبعث الكامن، فهذا النوع إذا كان فيه شعر يشبب بذكر النساء ووصف محاسنهن، وذكر الخمور والمحرمات لا يُختلف في تحريمه؛ لأنه اللهو والغناء المذموم بالاتفاق.
ولن أقف كذلك عند قوله: إن الاشتغال بالغناء على الدوام سفه تُرد به الشهادة، فإن لم يدم لم تُرد.
وما نقله عن إسحاق بن عيسى الطباع، قال: سألت مالك بن أنس إمام دار الهجرة رحمه الله عما يرخص فيه أهل المدينة من الغناء؟ فقال: إنما يفعله عندنا الفساق.
ولست كذلك معنياً أن أفيض في هذا لأنقل ما نقله ابن عطية في تفسيره بقوله: فكأن ترك ما يجب فعله وامتثال هذه المنكرات شراء لها على حد قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى} [البقرة:16].
وما نقله عن مطرف أنه قال: شراء لهو الحديث استحبابه.
ونقل عن قتادة قوله: ولعله لا ينفق فيه مالاً، ولكن سماعه هو شراؤه.
وأعلم أن كثيرين يقولون بأن الغناء مختلف فيه.
فلنسلم ولا نجادل! ولنقل بما قد يقول من أحل وأباح ذلك.
لننتقل إلى أمر آخر، فهل هناك من يفتي أو يقول بقول شاذ أو غير شاذ بأن المرأة إذا ظهرت كاشفة عن سحرها ونحرها وذراعها وهي ترقص وتختلط بالرجال أن في هذا قولاً بجواز أو إباحة؟! وليس ذلك فحسب؛ هل هناك من يقول: إن في التأنث والغنج والترقص -فضلاً عن المعانقة والتقبيل بين الجنسين- أقوالاً لبعض أهل العلم أو بعض أهل الجهل بالإباحة؟! لو كان مثل ذلك عند أحد لقلنا: هذا أيضاً مما يختلف فيه.
ولن أنتقل بكم إلى خسائر من نوع آخر، فإن ما قد يقال من أقوال أهل العلم أو النصوص قد يكون عند بعض الناس اليوم غير ذي بال وللأسف الشديد!