هنا نقطتان قصيرتان نختم بهما هذا الحديث، وهما: الأسباب التي تقعد الناس عن إدراك صلاة الفجر، ويقابلها الأسباب التي تعين على ذلك: من هذه الأسباب: طول السهر، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يكره الحديث بعد العشاء، وطول السهر مظنة غلبة النوم وعدم الاستيقاظ، وهذا أمر محسوس ملموس، ويقابله للاستعانة على صلاة الفجر أو القيام لصلاة الفجر ترك السهر والتبكير في النوم.
والأمر الثاني: كثرة الطعام؛ فإن كثرة الطعام من أسباب كثرة المنام، ويحصل كثيراً أن بعض الناس يكون مدعواً إلى طعام العشاء، أو يأكل طعامه في آخر وقت من الليل، فيملأ معدته، فإذا نام كان اشتغال المعدة بالهضم، فلا يكون ذلك معيناً له على الاستيقاظ.
الأمر الثالث: ترك القيلولة أو بعض الراحة في أثناء النهار؛ فإن هذا أيضاً يجعل الإنسان مرهقاً ومتعباً، فربما غلبه النوم فلم يستيقظ، ويقابله: أن يرتاح ولو قليلاً في أثناء النهار، علَّ ذلك على أن يكون معيناً له على قيام الليل وصلاة الفجر بإذن الله عز وجل.
الأمر الرابع: عدم الأخذ بالأسباب، كأن لا يضبط الساعة المنبهة، أو أن لا يتواصى مع بعض جيرانه أو بعض أهله أن يوقظ بعضهم بعضاً، وأن يوقظ المتقدم منهم من تأخر، فهذا تفريط من الإنسان الذي يعلم أنه لا يستيقظ من نفسه، ثم لا يأخذ هذه الأسباب، فهو مفرط في هذا ويلحقه التقصير والإثم ولا شك؛ لأنه لم يأخذ الأسباب للاستيقاظ، ويقابله: أن يأخذ هذه الأسباب ويجتهد فيها.
الأمر الخامس: الإخلاص لله سبحانه وتعالى، والنية الصادقة في الطاعة، فبعض الناس ينام وليس في نيته أصلاً ولم يخطر بباله ولم يطرأ في نيته أنه يريد أن يصلي الفجر، فهو ينام، والنوم بالنسبة له هو الذي في ذهنه، وفي ذهنه أنه سيذهب غداً إلى عمله، أو أنه غداً مرتبط بموعد ما، ولم تكن الصلاة في نيته ولا في خاطره، أما من أخلص النية لله وتعلق قلبه بأنه يبغي الصلاة ويبغي شهودها ويبغي أجرها فإن الله عز وجل يعينه، ويبلغه مراده، ويحقق نيته بإذنه عز وجل.
الأمر السادس: ترك الأسباب المشروعة من السنن المأثورة، كالنوم على الطهارة، والنوم على الجنب الأيمن، وذكر دعاء النوم، فهذه سنن لها أثر -بإذن الله عز وجل- مع النية والدعاء في الاستيقاظ، فمن نام على غير طهارة، ومن لم يذكر الله عز وجل تسلط الشيطان عليه، وكان ذلك سبباً في عدم استيقاظه لشهود الفجر، وهذا -لا شك- أمر مهم، ويحتاج الإنسان إلى أن يتذكره.
وأن يذكَّر به، وهناك أيضاً أحاديث في هذا، منها ما ورد في قراءة عشر آيات من سورة الكهف.
فهذه أمور من الأسباب المعوقة ومن الأسباب المنشطة -بإذن الله عز وجل- لمن أراد ذلك، وأغلب ما يعين -إن شاء الله عز وجل- هو تذكر الآخرة، وتذكر عظيم الأجر وعظيم الوزر، وتذكر الفضل والثواب، وتذكر الإثم والعقاب، فهذا هو الذي يحرك المؤمن وينشطه لأن يبادر إلى الطاعات، وأن لا يكون مرتكباً للمعاصي، وهذه خصيصة ملازمة للعبد المؤمن، أي: حبه للخير ورغبته في الأجر، وخوفه من العذاب ومن سخط الله سبحانه وتعالى.
وأخيراً أقول: إن صلاة الفجر على وجه الخصوص جعل لها ومعها من الأمور التابعة لها ما فيه -أيضاً- غنائم وأجر آخر غير ما في الفجر وحدها، فقد ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عن ركعتي الفجر: (خير من الدنيا وما فيها) أي: ركعتي السنة التي قبل الفجر.
فكيف بصلاة الفجر؟! وورد أيضاً فيما بعد الفجر أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من صلى الفجر في جماعة، ثم مكث في مصلاه يذكر الله عز وجل حتى تطلع الشمس وصلى ركعتين كتبت له حجة تامة) أو كما ورد في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، فهذا أجر ما قبلها وما بعدها، والقرآن فيها -أيضاً- له خصوصية، كما مر بنا فيما ذكره العلماء في قوله عز وجل: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء:78]، فهذه أمور نسأل الله عز وجل أن تقوي عزائمنا وتنشطنا لأن ندرك الفجر، وأن لا يكون الحال كما هو في هذه الأوقات، حيث يصلي الناس في سائر الفروض خمسة أو ستة أو أكثر من ذلك من الصفوف، فإذا جاء الفجر لم يكن في المسجد إلا نحو صفين أو ثلاثة، وكثير من الناس يصلونها في بيوتهم، وبعضهم يصلونها متأخرة عن وقتها، وبعضهم وقد طلعت الشمس، وبعضهم برنامجه اليومي الأساسي أن يصلي الفجر عند وقت خروجه للعمل.
فنسأل الله عز وجل أن يعيننا على سائر الطاعات، وأن يجعلنا من المسابقين والمسارعين إلى الخيرات.
فأهل الخير والصلاح أدعى إلى أن يكونوا أكثر حرصاً والتزاماً ومراعاة لهذه الفريضة.
وهناك كتاب صغير حوى مواقف السلف الصالح في الحفاظ على الصلاة لـ عبد الملك القاسم بعنوان: (والثمن الجنة)، وقد جمع فيه كثيراً من مواقف السلف في المحافظة على الصف الأول والتكبيرة الأولى.