ولعلنا نشير إلى أن السلف الصالح من هؤلاء التابعين والصالحين إنما أخذوا ذلك عن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وحسبي أن أذكر ما أورده البخاري في كتاب الصلاة تحت باب (تضييع الصلاة عن وقتها)، وروى بسنده عن أنس قال: (ما أعرف شيئاً مما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم -يعني: غيرتم كل شيء- فقيل له: الصلاة- أي: الصلاة ما زالت كما هي عن النبي عليه الصلاة والسلام-؟ فقال: أليس صنعتم فيها ما صنعتم؟) أي: من تأخيرها عن وقتها أو إخراجها عن وقتها إلى صلاتها بعد أداء الوقت.
وفي الباب نفسه روى البخاري عن الزهري قال: دخلت على أنس - وأنس في ذلك الوقت كان قد طعن في السن، فهو ممن تأخرت وفاته من الصحابة- وهو يبكي رضي الله عنه وأرضاه، قلت: ما يبكيك؟ قال: (لا أعرف شيئاً مما أدركت- أي: على عهد النبي صلى الله عليه وسلم- إلا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضيعت)، فكان أنس يبكي في عهد التابعين.
وهناك قول آخر وهو قول أم الدرداء: ما لك يا أبا الدرداء؟ قال: ما أنكرت من أمة محمد شيئاً إلا أنهم يصلون جميعاً وقد تغير الحال).
وكانت عائشة رضي الله عنها وهي في عهدها وفي عهد التابعين وتوافر الصحابة الكثيرين تستشهد بقول القائل: ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في زمن كجلد الأجرب والحديث في هذا عن سير السلف رضوان الله عليهم يطول ويطول جداً.