بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، نحمده سبحانه وتعالى هو أهل الحمد والثناء، حمداً يليق بجلاله وعظيم سلطانه وإنعامه، وينيلنا رحمته ورضوانه، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيد الأولين والآخرين، نبينا محمد صادق الوعد الأمين، وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم وسار على نهجم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: فعنوان هذا الدرس: (الغنائم أيها النائم)، وبمجرد إطلاق هذا العنوان لا شك أن الخواطر تدور فيها الأسئلة عن هذه الغنائم وما عسى أن تكون، وعن هذا النائم ومن عسى أن يكون؟ وليس في الموضوع صعوبة أو غرابة، وإنما أردت أن يكون في هذا العنوان ما يلفت النظر، ويسترعي الانتباه، ويشد العقول والأذهان؛ علَّ الله عز وجل أن يحقق ما نصبو إليه من موعظة وتذكرة تتعلق بهذا الموضوع المهم.
وأبدأ الموضوع بمثال لعله أن يكون توطئة وتقريباً لما يأتي من هذا الموضوع: لو أن إنساناً كان يغط في نومه وقد استغرق في النوم استغراقاً عميقاً، كما هو حال كثير من الناس، وقد علا شخيره، وتمكن منه النوم تمكناً كاملاً، ثم جاءه من أهل بيته أو من أصدقائه من يوقظه على عجل، ويدعوه مباشرة إلى أن يقوم ليأخذ حظاً من أموال توزع أو غنائم تهدى أو شيء من ذلك، فإنه في الغالب ينتبه ويسارع ويبادر، وربما مع مبادرته يكون مرتبكاً وغير مستوعب لما يقال له، وكذلك ربما كان النوم قد تمكن منه فلم يلتفت إلى هذه الدعوة التي فيها مصلحة وفائدة أو فيها غنيمة باردة ليس فيها عناء ولا تعب، لكن لو أن هذا الإنسان لم يكن نائماً، وإنما كان مستيقظاً، وقلنا له: في هذه الليلة في الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل نريد منك أن تستيقظ، وأن تأتي لنعطيك من المال أو من الجواهر أو من الذهب شيئاً ما.
فهل تراه عندما ينام -إذا نام- سيستغرق في نومه؟ وإذا استغرق في نومه هل سيحتاط لاستيقاظه؟ أو ربما يفكر تفكيراً عملياً وتفكيراً استثمارياً فيقول: وما الذي سيحصل إذا لم أنم هذه الليلة؟ وسيرابط ويجاهد نفسه على أن لا تغفو عينه وأن لا ينام حتى يأتي الوقت المضروب والموعد المحدد وهو مستيقظ، فيمد يده إلى من يعطيه فيأخذ.
فلو أردنا أن نحدد هذا المثال فإننا نكاد نجزم بأن الوعد نصر كان ممن يعرف بوفاء وعده وصدق قوله وقدرته على مطابقة فعله لقوله، فإن المردود العملي سيكون أنّ هذا الذي أُخبر بهذا الوعد سوف يكون مستيقظاً متأهباً مستعداً عند الوقت المحدد ليأخذ هذه الغنيمة أو الأموال الجزيلة، فإذا جئنا له بعد أن جرب في المرة الأولى واستيقظ في الوقت وأخذ ما أخذ مما قد يشقى لأجله غيره ولا يأخذ عشر معشاره ولا جزءاً يسيراً منه وقلنا له: في كل يوم عند الساعة الثانية والنصف ستستلم -على سبيل المثال- خمسة آلاف ريال فثق تماماً أنه سيلغي وظيفته، وينام في النهار، ويستيقظ في الليل، وسيسعى بكل ما يستطيع وبكل وسيلة من الوسائل حتى لا يتخلف عن هذا الموعد؛ لئلا تفوته هذه الغنيمة الجزيلة العظيمة.
ولو تصورنا أنه أخذ هذه الأموال ليلة بعد ليلة، ثم في يوم من الأيام أخذته عينه ونام، فاستيقظ بعد فوات الوقت، ولم يحصل على المخصص الموعود في كل ليلة، فما عسى أن يكون؟ لا شك أنه سيتحسر ويندم، وربما لو كان من أهل الحب لهذه الأموال لبكى واستعبر، وربما شكا وعلا صوته بالشكوى.
وهكذا لو أردنا أن نسترسل في هذا المثال لطال بنا الوقت، فالمهم هو أن النائم تظهر له حاسية إضافية إذا كان هناك أمر مهم أو نافع له يرتبط بموعد يتعارض مع نومه، وهذا أمر محسوس، فالمسافر الذي وقت سفره بعد منتصف الليل لا شك أنه يتأهب ويستعد، ولو نام لكان نومه خفيفاً، ولو نام واستغرق لكان انتباهه لمن يوقظه عظيماً، وهكذا في كل أمر من الأمور الحياتية التي يشهدها الناس كارتباطهم بأوقات العمل المبكر ونحو ذلك من الأمور.