الاغترار بكرم الله وعماية البصائر عن الحق

{يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار:6] أجمع أهل التفسير: أن هاهنا فهماً مغلوطاً يذهب إليه بعض الناس، كما ذكره بعضهم كـ القرطبي وابن كثير وغيرهما: (ما غرك بربك الكريم) فإن بعضهم يقول: غرني كرمك يا رب، قال: وهذا من الخطأ، وإنما ذكر اسم الكريم -كما ذكر الطبري - ليكون الإثم والذنب مستقبحاً إذا كان في مواجهة من أكرم وأنعم، وذكر ابن كثير رحمه الله: أن في الآية تهديداً ووعيداً لمن وقع في المعاصي وهو يعلم عظمة ربه، ويدرك كذلك كرمه فيقبح منه ذلك الذنب.

واستمع إلى الأوصاف القرآنية: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46]، لماذا نختلف اليوم ولنا أعين وقد نستعين بمكبرات ونظارات، ثم يخفى علينا الحق؟! لأنه ضرب على القلوب الران، وانحرفت في النفوس الأهواء، وزاغت لأجل ذلك الآراء، وافترقت الأمة شيعاً وأحزاباً.

واستمع إلى الوصف الذي ضرب صفة لأهل الكفر في أقصى درجاته: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية:23]، أفلا نرى الأهواء المتبعة وهي قد نصبت آلهة جديدة؟! آلهة للسياحات، وآلهة للثقافات التي حقيقتها سخافات، وآلهة وآلهة وآلهة أخرى، وهي مما يتبعه الناس، ويسيرون وراءه: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية:23].

الآيات والأحاديث معروفة في المواعظ والدروس والمحاضرات والكتب، فكل شيء ظاهر بين معلوم، ومع ذلك نرى ما نرى من هذه الصور.

{سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا} [الأعراف:146]، أفليس مثل هذا الوصف واقعاً في أحوالنا، ظاهراً في أمتنا؟! أفليس جديراً بنا أن نقف وقفة مع أنفسنا، نعالج بها أدواءنا، ونعوض بها خسارتنا؟! أي خسارة أعظم من أن يموت قلبك، وأن تموت نفسك، وأن تظلم روحك، إنها مسألة خطيرة، وقضية عظيمة.

من فقه ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (كفى بخشية الله علماً، وكفى بالاغترار بالله جهلاً).

أي: من كان في قلبه خشية لله، وحب لله، وبغض لمعصية الله، وتعلق بطاعة الله، فذلك هو العلم، فإنما العلم الخشية، وإذا كان ثمة غرور بالله عز وجل، وإسراف في المعاصي، ونقول لأنفسنا وهماً وزوراً: إن الله غفور رحيم، وستر الله دليل على رضاه، وصحتنا وعافيتنا ونعمنا تدل على أننا على غير ما قد نخشاه على أنفسنا، فنكون حينئذ كالجاهل الأحمق الذي يسعى إلى حبسه بنفسه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015