إن الفوائد العلمية جديرة بأن يفرد الحديث عنها ويطول؛ لأن كتب التاريخ لا تشتمل على التاريخ وحده، بل تجد كثيراً من كتب التاريخ يضم في ثناياه معلومات ومسائل تتعلق بالحديث والفقه واللغة والاجتماع، ونحو ذلك من أمور يطول ذكرها، وحسبنا مثلاً أن نعرف أن مقدمة ابن خلدون الشهيرة التي فيها تاريخ للعلوم، وفيها أسس لعلم الاجتماع، وفيها بيان لأسس العمران والحضارة، هي مقدمة لكتابه التاريخ.
فهذا يدلنا على أن كتب التاريخ ليست قصصاً وأخباراً فقط، وإنما في ثناياها كثير من هذه الفوائد، ولعل من أعظم فوائد العلوم المنشورة في كتب التاريخ -سيما كتب التاريخ المتقدمة- ما يتعلق بعلم الحديث وتراجم الرواة.
يقول سفيان رحمه الله: لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التاريخ؛ لأن التاريخ يكشف ويبين التدليس، ويبين الإرسال، ويبين الانقطاع.
دخل بعض الناس إلى بلاد المشرق، وجعل يروي بعض الروايات، وقالوا لـ ابن المبارك: إن فلاناً يروي أحاديث ما ندري ما هي؟ فجاء فسأله فقال: متى ولدت؟ قال: ولدت عام كذا، قال: إن هذا يروي لكم عمن مات قبله بعشر سنوات.
يعني: هو كاذب.
إذاً: فالتاريخ من شأنه الحفاظ على الحديث والرواية، وهذا من أعظم الفوائد والمنافع، ولذلك اهتم كثير من العلماء بالتاريخ؛ لكونه يتعلق بالدرجة الأولى بالحفاظ على سنة النبي صلى الله عليه وسلم.