الفائدة الأولى: الفائدة التربوية من تاريخ الرسل والأنبياء والصحابة والأئمة

إن الفائدة التربوية من أعظم الفوائد وأجلها، والله سبحانه وتعالى قد قص على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى أمته قصص الأنبياء والمرسلين، حيث قال جل وعلا: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} [يوسف:111].

والله جل وعلا خاطب النبي الكريم عليه الصلاة والسلام بقوله: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام:90].

وإنما قص علينا هذا لنأخذ العبرة والفائدة التربوية التقويمية التهذيبية، التي نقوم بها الأخطاء، ونكمل بها النقص.

والله جل وعلا يخاطب الأمة بقوله: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب:21].

فالسيرة مهمة جداً، وهي جزء من التاريخ، وقد جعل الله عز وجل سيرة النبي عليه الصلاة والسلام قدوة وأسوة نقتدي بها ونستفيد منها ونتربى عليها.

قال ابن عبد البر في كتابه: (الاستيعاب في معرفة الأصحاب) متحدثاً عن الصحابة: يجب علينا الاهتداء بهديهم، فهم خير من سلك سبيله -أي: سبيل النبي صلى الله عليه وسلم- واقتدى به.

وفي التاريخ أخبار الرسل والأنبياء والنبي عليه الصلاة والسلام والصحابة، وكذلك علماء الأمة، قال ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله: فمن قرأ فضائل مالك وفضائل الشافعي وفضائل أبي حنيفة بعد فضائل الصحابة والتابعين، وعني بها، ووقف على كريم سيرهم وهديهم؛ كان ذلك له عملاً زاكياً.

فالفائدة التربوية عظيمة جداً من كتب التاريخ، سيما عند المؤرخين الذين يشيرون إلى مثل هذه الفوائد، ولا بأس أن نذكر بعض الأمثلة السريعة، وإن كان سيأتي استعراض بعض هذه الكتب.

الإمام الذهبي رحمة الله عليه كان من المكثرين في التعليقات والفوائد التربوية المتعلقة بتراجم الأعلام الذين ترجم لهم في كتب كثيرة، ومن أهم هذه الكتب كتاب (سير أعلام النبلاء)، وكتاب (تاريخ الإسلام)، وكان كثيراً ما يذكر المواقف ثم يقول: قلت، وعندما تجد للذهبي كلمة قلت؛ فعظ عليها بالنواجذ، وتأمل ما بعدها، فإنه استخلاص عالم، واستنباط فقيه، وتدقيق محدث، وعلم مؤرخ، فقد كان يكثر من ذلك، وأحيل على سبيل المثال إلى أول المجلد العاشر في ترجمة الإمام الشافعي فقد ذكر من التعليقات على مواقف الشافعي وأقواله كلاماً نفيساً يرجع إليه ويستفاد منه، وليس المقام مناسباً لنقله.

وابن كثير رحمة الله عليه في البداية والنهاية له تعليقات موجزة مختصرة، لكنها في غاية النفع والفائدة، فإذا ذكر -على سبيل المثال- ما وقع لظالم من الظلمة أو لجبار من الجبابرة ونحو ذلك، فبعد أن ينتهي من القصة يعلق عليها تعليقاً يسيراً، لكنه في نفس الوقت تعليق مهم ومفيد، فيقول مثلاً: وهكذا من أعان ظالماً سلط عليه.

فهذه الكلمات عبارة عن استنباط، وعن فائدة تربوية عظيمة، ونجد كثيراً من ذلك في كتب التاريخ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015