إن من أعظم التقوى الحرص على مصالح المؤمنين وإصلاح مجتمعاتهم، والبعد عن كل ما يشيع فيهم الفساد، أو يذهب عنهم عصمة الدماء والأموال وغير ذلك، ولعلنا عندما نريد أن نؤكد مثل هذا النهج نراه في سير الأصحاب رضوان الله عليهم، وفي سير الأسلاف من التابعين ومن جاء بعدهم من مشاهير الأئمة والعلماء الذين نجزم أنهم أعظم إيماناً وأغزر علماً وأقوى حجة وأشد غيرة لدين الله عز وجل مما قد يكون عندنا، ولذلك أذكر بعض المواقف وغيرها كثير وكثير.
فهذا الصحابي الجليل ابن عمر رضي الله عنه، الذي كان ممن ذهب مع كثير من الصحابة إلى الامتناع عن القتال في الفتنة، ولقد استمع إلى خطبة لـ معاوية رضي الله عنه وأرضاه في اجتهاده بعد تنازل الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه له بالخلافة فكان يقول: من كان عنده كلام فليتكلم به، فإنا أعلم بذلك منه ومن أبيه.
قال ابن عمر رضي الله عنهما: فكنت أريد أن أقول: (أحق منك بهذا من قاتلك وأباك على الإسلام.
ولكن خشيت أن أقول كلمة تفرق جمع المسلمين ويسفك بها الدم).
ذلك هو منطلق الإيمان، وتلك هي عصمة التقوى، وتلك هي بصيرة العالم بترجيح المصالح والمفاسد، وذلك ما فعله سعيد بن المسيب رحمه الله، كان من أئمة التابعين الكبار الذين كانت لهم مواقف مشهورة مذكورة في قول الحق وفي الصدع به، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن دون أن يكون ذلك مؤذناً بفتنة أو مفضياً إلى سفك دم، أو مؤدياً إلى اضطراب وخلل في أمن الناس ومعاشهم، ولذلك كان يقول رحمه الله: الشيطان مع الشاذ والخارج عن الجماعة، وهو من الاثنين والجماعة أبعد.
أما الحسن البصري فكان من أئمة التابعين إيماناً وزهداً وعبادة، فقد جاور الحجاج مع ما هو معروف عنه من ظلمه وبطشه، وقالوا للحسن: ما تقول في قتال هذا الطاغية الذي سفك الدم الحرام وأكل المال الحرام وترك الصلاة جماعة، وما كان عليه من مخالفة السنة؟ فقال: أرى أن لا تقاتلوه، فإنها إن تكن عقوبة من الله فما أنتم برادي عقوبته، وإن يكن بلاء فاصبروا حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين.
وكان ينهى عن الخروج على الحجاج، ويأمر بالكف ويقول: لو أن الناس إذا ابتلوا من قبل السلطان صبروا ما لبثوا أن يفرج عنهم، ولكنهم يفزعون إلى السيف فيوكلون إليه، فوالله ما جاءوا بيوم خير قط.