ولعلنا نتذكر الموقف العظيم الذي يجمع بين هذا وذاك، كقصة عبد الله بن حذافة السهمي رضي الله عنه الذي كان مأسوراً عند الروم، فجاء به ملكهم وقال له: أترجع عن دينك وأعطيك شطر ملكي؟ قال: لا.
وأعطيك كل ملكي؟ قال: لا.
ولو أعطيتني الدنيا وما فيها.
فأراد أن يأتيه من جانب آخر: جاءوا بقدر كبير مملوء زيتاً ثم أشعلوا تحته ناراً، حتى صار الزيت مغلياً، ثم أتوا ببعض أسرى المسلمين يغمسونهم في هذا الزيت فيدخل أحدهم لحماً ويخرج عظماً، وعبد الله ينظر، وبعد واحد واثنين وثلاثة دمعت عينه رضي الله عنه، فأخبر الملك، فقال: عليَّ به! ظن أنه قد لان وهان وذل وتابع وغير وبدل، فلما جاءه قال: فيم بكاؤك؟ قال: لقد علمت أن لي نفساً واحدة تغمس في هذا القدر فتزهق في سبيل الله، وودت لو أن لي بعدد شعر رأسي أنفساً تزهق كلها في سبيل الله.
لقد كان يفكر في ميدان آخر، وكانت مشاعره غير ما يفكر به أولئك الدنيويون الخائفون الجبناء الأذلاء، ولذلك قال بمقال قطري بن الفجاءة رضي الله عنه: أي يوم من الموت أفر يوم لا يقدر أو يوم قدر يوم لا يقدر لا أرهبه ومن المقدور لا ينجو الحذر