إن الذي تتضح رؤيته الفكرية، يعرف الإجابة عن الأسئلة العظمى: من أين جئنا، وإلى أين سنذهب، ولماذا خلقنا؟ نحن نعرف لماذا خلقنا، وما هو دورنا في هذه الحياة، وما يكون بعد هذه الحياة، ونعرف كذلك أن الكون كله مسير بأمر الله، وأنه لا ينفذ فيه شيء إلا بقضاء الله، ولا يغير ولا يدبر شيء في هذا الكون إلا الله، فنفوسنا حينئذ مطمئنة، وسكينتنا مستقرة، وقلوبنا ليست في حيرة ولا شك ولا خوف ولا هلع.
ونحن نعلم أن تقلبات الظروف والبلايا والرزايا والمحن والفتن تحيط بالناس، فإن لم يكن عندهم يقين راسخ، وإيمان ثابت؛ فإن ذلك يصيبهم بجزع يجعلهم ينكصون على أعقابهم، {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ} [الحج:11]، وقد وصف الله عز وجل ذلك بأنه الخسران المبين، ولذلك نبقى على هذه الطمأنينة والسكينة؛ لأنها هي التي تفيض هذه المعاني النفسية الباطنية القلبية في الإنسان المؤمن، يقول الحق جل وعلا: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28].
والله سبحانه وتعالى بين أن اليقين والإيمان هو الذي يجعل الإنسان ثابتاً في وجه المشكلات، فكم من الناس تحل به نكبات أو مشكلات فينزلها على إيمانه، ويقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، ويردد: إنا لله وإنا إليه راجعون، يلهج بـ: حسبنا الله ونعم الوكيل، فإذا به يشعر بالطمأنينة والسكينة، وتتبدد أمامه تلك المخاطر، ويتيسر أمامه العسير، ويصغر في ناظريه العظيم بما يفيض في قلبه سبحانه وتعالى من السكينة والطمأنينة، وغيره مرتجف مضطرب متحير متشكك خائف جزع متراجع متخاذل؛ لأنه يفتقد قوة إيمانه ويقينه، ولو أردنا أن نفيض في الأمثلة لوجدنا عجباً في سيرة النبي عليه الصلاة والسلام، وفي سيرة أصحابه رضوان الله عليهم، وهذا أمر مهم وخاصة في وقتنا وظروفنا هذه.
في غزوة الأحزاب بين الله عز وجل الكرب العظيم، والخطب الجسيم، والهول الفظيع الذي حل برسول الله عليه الصلاة والسلام وصحابته، فقال جل وعلا: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً} [الأحزاب:10 - 11].
ماذا قال أهل الإيمان في هذه الحادثة العصيبة والمحنة الرهيبة؟ قالوا كما ذكر الله عنهم: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً * مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب:22 - 23].
والمواقف كثيرة فيما بعد، ففي أحد كما أخبر الله عز وجل عنهم بقوله: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:173 - 174]، إنما يطمئن النفوس والقلوب ويسكنها هذا الإيمان فلا تضطرب ولا تجزع بإذن الله.