فإذا لم يكن الإيمان نطق اللسان فحسب، ولا هو اعتقاد الجنان وحده، ولا عمل الأركان، فما هو؟ إنه مجموع ذلك كله، ومن ثم قال أهل العلم في تعريفه: إنه اعتقاد بالجنان، ونطق باللسان، وعمل بالأركان، وهذا الجمع لا شك أنه يحتاج إلى تأمل؛ إنه حينئذ يصور لنا شمول هذا الإيمان، وعمقه وانتظامه للإنسان في كل خصائصه، وانعكاسه من بعد على كل تفاعلاته وأحواله؛ فإن هذا الإيمان هو اعتقاد القلب، وخفقة القلب بالمشاعر والعواطف، وهو كلمات اللسان وضبطها بخواطر العقل والفكر، وممارسات الجوارح.
وإذا أردنا أن نعمق هذا المعنى ونوضحه، فالأمثلة فيه كثيرة، لكنني أشير إلى المعنى وأضرب مثالاً واحداً فأقول: إن الإيمان صبغة جديدة ينصبغ بها صاحبها، فتكون له صورة وهوية تنقض كل ما سبقها من الصور، وتخالف كل ما يعارضها من الهويات، وتنشئه نشأة جديدة قاعدتها وأساسها التوحيد والإيمان الحق لمضمون لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ فيختلف عن كل الناس في سائر أحواله وأقواله وكلماته، وآماله وطموحاته وأعماله وأفعاله، وعلاقاته وصلاته، وولائه وبرائه، ومحبته وبغضه، وكل شيء؛ لأن هذا الإيمان يغير فيه -إذا كان صادقاً وحقيقياً- كل شيء، ويجعله منضبطاً بهذا الإيمان، فمنه ينطلق وإليه يرجع، وفي ضوئه يقيس، وعلى هداه يسير، فيحكم الإيمان حينئذ كل شيء في حياته بدءاً من داخله وانتهاء بأعماله وبعلاقاته كذلك.