أيها الإخوة المؤمنون! حديثنا اليوم عن فقدان الحياء وآثاره في حياة الأمة، ذلك الحياء الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه أنه شعبة من شعب الإيمان، وروى الحاكم في مستدركه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الحياء والإيمان قرناء جميعاً، فإذا نزع أحدهما نزع الآخر)، كما أن الإيمان حلية يتحلى بها العبد المؤمن، وهو العاصم بإذن الله جل وعلا من الوقوع في المعاصي، ومن التعدي على حرمات الله، فللحياء هذه السمة: إذ هو يمنع صاحبه الذي تحلى به والذي تزين به من أن يأتي المحرمات، بل يمنعه من أن يأتي الأمور المستقبحة التي لا تليق بمقامه وإن كانت في بعض الأحوال مباحة لغيره، ذلكم الحياء الذي عرفه أهل العلم بأنه خلق يبعث على فعل الجميل، وترك القبيح، والتوقي من الأدناس وما يعاب عند الناس، الحياء الذي بوجوده يكون للمرء سورة حسنة، عفة في اللسان، وغض في البصر، ولين في المعاملة، وتوق من المعاصي، واجتناب لكل أمر مرذول حقير.
هذا الحياء بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح من حديث عمران بن حصين عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (الحياء لا يأتي إلا بخير)، وفي بعض الروايات الأخرى: (الحياء خير كله)، وفي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء)، قال بعض الشراح: أي: أنه كان يلومه على ما كان عنده من بعض الحياء الذي يمنعه من المشاركة أو ربما يجعله انطوائياً أو انزوائياً، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (دعه، فإن الحياء لا يأتي إلا بخير).