ولا بد كذلك أن ننبه إلى أمور مهمة وإلى جملة من التوجيهات نحن في أمس الحاجة إليها: الأمر الأول: يجب الاعتصام بالجمل الثابتة والأحكام القاطعة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأما ما فيه اجتهاد واختلافات فأمره معروف عند أهل العلم، ولكن ثمة جمل ثابتة وحقائق قاطعة ليس فيها خلاف، وهي العواصم من القواصم، وهي النور من الظلمة، وهي معالم الطريق التي تعصم من الانحراف والزيغ والضلال بإذن الله، فتواصوا بها، واعتصموا بها، وعضوا عليها بالنواجذ؛ فإنها وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث العرباض بن سارية: (وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله! كأنها موعظة مودع فأوصنا، فقال: أوصيكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ)، أي: تمسكوا بها؛ لأنه ثمة كثير من الصوارف التي تصرف عنها.
وللأسف أننا نسمع أمراً يخالف ذلك يقترن بحقيقة مهمة، وهي أن كثيراً من صحفنا وإعلامنا يهول في حجم أعدائنا؛ حتى يبث الرعب في القلوب، وحتى يسري اليأس إلى النفوس، وكأن أولئك القوم قد ملكوا أعنة الأمور، وأصبح بيدهم تدبير الكون وتصريفه والعياذ بالله، وكأنه لا قوة حاكمة ولا تقدير سابق ولا قضاء مبرم من الله سبحانه وتعالى، فيفتون في العضد، ثم يقولون من باب التدرج: ماذا يمكن أن نصنع؟ وأي شيء يمكن أن نقول؟ والذي يقول هذه المقالات لا يدرك الحقائق، ولا يعرف الواقع.
سبحان الله! نحن ندرك الواقع ونعرفه، لكن إدراكنا لا يعني أن نترك كتاب الله وراء ظهورنا، ولا أن نخلف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دبر آذاننا، بل نقول بما فيهما وإن كنا لا نستطيع إنجاز ذلك أو القيام به في هذا الوقت، لكن تغييره هو الأخطر، والشك في حقيقته هو الأكثر ضرراً والأعظم خطراً؛ لأننا إذا شككنا في ذلك فإننا قد تركنا شيئاً مما نستند إليه ونضع أقدامنا عليه، وبالتالي تغيب عنا الرؤية الصائبة، ويغيب عنا موضع القدم الثابت الراسخ الذي يجعلنا قادرين على أن نقف ونحن نعرف أين نقف، وأن ننظر ونحن نعرف إلى من ننظر، وأي شيء نرى أمامنا، أفإن قالوا كلاماً معسولاً أو غيروا أو أرهبوا وأرغوا وأزبدوا نتغير عن هذه الجمل الثابتة والحقائق القاطعة في كتاب الله الذي قال عنه سبحانه: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42]، وفي سنة طاهرة مشرفة مبرئة من العيب والنقص لسيد الخلق وأكرم الرسل عليه الصلاة والسلام؟!