صورة ثانية مهمة وخطيرة، وهي: التحايل على دين الله، والحيل التي يستحل بها الناس ما حرم الله كثيرة، فهذه صورة ذكرتها آيات القرآن، وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن بني إسرائيل أن الله لما حرم عليهم الشحوم ماذا فعلوا؟ جملوها وأذابوها، فاستعملوها وهي زيت ولم يستعملوها وهي سمن، وقالوا: هذا حلال وذاك حرام، تركنا الحرام وأخذنا الحلال، وكم هي الصور التي يرتكب بها الحرام مع بعض التغيير في الأسماء! فالخمور مشروبات روحية، والربا فوائد اقتصادية، والعري والعهر فنون جميلة أو راقية، وغير ذلك مما قد تستمعون له، ونجد هذا وللأسف يزداد وتتسع دائرته حتى تعم أخياراً من الناس يقعون في مثل تلك المنكرات، وقد تلبس عليهم الأمر حقيقة في بعض الأحوال، فنحن في زمن الاختلاط والالتباس الذي اشتبهت فيه على كثير من الناس حرمة أمور مقطوع بحرمتها، حتى فعلها أناس وهم لا يشكون في حلها وجوازها، وهذه صور كثيرة تزداد كل يوم، وتتسع دائرتها في جوانب من حياتنا العامة في أمتنا المسلمة، لا سيما في قضية المرأة -وما أدراك ما المرأة؟ - في اتساع الدوائر التي تأخذ لنا شيئاً من الأمور المختلف فيها عند الفقهاء، لتصل بنا بعد ذلك إلى ما وراءه من أمور محرمة لم يقل بها أحد من العلماء سابقاً ولا لاحقاً، ويكون الاتكاء على ذلك الأمر المختلف فيه كما نرى ونعرف دائماً، وإذا تأملنا فإنا نجد أن هذه الحيل والألاعيب والصور هي التي تصيب الأمة في مقتل من جهات ثلاث: الجهة الأولى: ارتكاب المحرم والوقوع فيه.
الثانية: تخفيف وقع ارتكابه بهذه الحيل والألاعيب.
الثالثة: العمل على نشره وتطبيعه دون وجود من ينكره، ودون وجود من يرى فيه مخالفة أو غير ذلك، قال ابن القيم رحمه الله: في هذا زجر عظيم لمن يتعاط الحيل على المناهج الشرعية ممن يتلبس بعلم الفقه وهو غير فقيه، إذ الفقيه من يخشى الله تعالى بحفظ حدوده، وتعظيم حرماته، والوقوف عندها، وليس المتحايل على إباحة محارمه وإسقاط فرائضه، وهذه مسألة مهمة.