والكنيسة الرئيسة قد منعت الحرب وعارضتها ووصفتها بأبشع الأوصاف، فلا ندري على أي شيء يحاربون، فلا دينهم رجعوا إليه، ولا قوانينهم التزموا بها، ولا إنسانيتهم راعوها، ولا ديمقراطيتهم طبقوها، ثم بعد ذلك يقولون: إن هذا حق مشروع، وإنه عمل ممدوح، وإنها غاية ستكون وردية اللون وضيئة القسمات مشرقة الأضواء، فمن يصدق هذا؟! لا أحد يصدق هذا إلا إذا صدقنا أن الذئب يرعى الغنم ويسوسها ويغذيها ويحميها، ويمنعها مما يضرها ويؤذيها.
وهي كذلك صفقة تجارية واضحة المعالم لمزيد من عقود الأسلحة ومزيد من عقود الإنشاء وغير ذلك.
وهي الإرهاب بعينه، وهي الاستغفال بعينه، ولكن ذلك له أيضاً جذور فكرية، فإن القوم في تكوينهم الفكري والعقلي وحضارتهم المعاصرة قائمون على الاستعلاء، والنظرة الدونية للأمم والشعوب، وإن روجوا غير ذلك فإن حقيقة ساستهم وقيادتهم كذلك.
فهذا الرئيس الأمريكي السابق روز فيلت يقول: بالحرب فقط يمكننا اكتساب الرجولة اللازمة للفوز في الصراع الذي يسود الحياة! ويقول: إن أعظم فضائل الإنسان تولد في الحرب، وإن السلام الدائم يؤدي إلى الترهل والفساد والانحلال.
إنهم منشئون على هذا البغي والعدوان والهيمنة والسيطرة والتحكم، وذلك في فكرهم، وما صدام الحضارات وصراعها عنا ببعيد، يقول جنرال عسكري بالأمس القريب: سيكون عنصر المفاجأة في هذه الحرب من خلال الهجوم بطريقة لم يسبق لها مثيل في التاريخ، من حيث السرعة والدقة، والخطط التي لدينا الآن لم ير أحد مثلها قط.
إنه غرور وعنجهية ونوع من التعالي الذي يدلنا على حقيقة المنطلقات الفكرية للحرب.
وكما قلت: إن مقامنا ليس مقام تحليل لهذه المعاني، ولكنه بيان للحقائق، فكل الذي يقال في أكثره هراء وكذب، لا نكذبه نحن بأقوالنا، ولا ندحضه بآيات كتاب ربنا ولا بأحاديث رسولنا صلى الله عليه وسلم، وهي التي تقيم الحق والعدل والإنسانية وكل المعاني الفاضلة على الوجه الصحيح، ولكننا نقولها بقوانينهم وبشرائعهم، ونقولها من واقعهم القريب قبل البعيد، وما أدراك ما البعيد؟! فمن الذي دمر تلك المدن في اليابان بالقنابل الذرية؟! ومن الذي قتل في حربه ثلاثة ملايين في أرض فيتنام؟! ومن ومن إلى غير ذلك.