قال المراغي في تفسيره: وسيرى الله عملكم خيراً كان أو شراً، فيجب عليكم أن تراقبوه في أعمالكم، وتتذكروا أنه عليم بمقاصدكم ونياتكم، فجدير بمن يؤمن به أن يتقيه في السر والعلن، ويقف عند حدود شرعه، ثم ذكر أمراً مهماً، قال: وفي الآية إيماء إلى أن مرضاة جماعة المؤمنين القائمين بحقوق الإيمان تلي مرضاة الله ورسوله.
وفي حديث أنس رضي الله عنه: (أنه مرت جنازة فأثنى الصحابة على صاحبها خيراً فقال صلى الله عليه وسلم: وجبت، ثم مرت جنازة فذكروا صاحبها بشر فقال: وجبت، فقال عمر: يا رسول الله! ما وجبت؟ قال: هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شراً فوجبت له النار؛ أنتم شهداء الله في الأرض)، عندما ينكر المؤمنون، ويغضب الصالحون يقولون لنا: ما لكم ولنا؟ ما قيمة قولكم، ما الذي يزنه رأيكم؟ ولا ندعي لأنفسنا شيئاً غير أن أهل الإيمان والإسلام والصلاح، إن انقبضت نفوسهم، وأنكرت قلوبهم، ونطقت ألسنتهم؛ فإنما ينكرون منكراً أنكره الله جل وعلا، وحذر منه، ونهى عنه رسول صلى الله عليه وسلم، فقولهم إلى ذلك القول مستند، ومنه مستمد.
ومن هنا ذكر ابن القيم عن العلماء أنهم موقعون عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف لا يأبه بقول المؤمنين المسلمين الغيورين إذا أنكروا إذا احتجوا إذا أدوا سخطهم، كيف يهدر ذلك كله؟ حتى في عصر الديمقراطية التي يزعمونها، أليس الرأي للأكثرية؟! أليس القول للأغلبية؟! فما بالها تداس بالأقدام؟! وما بال أصواتها تكمم بالأكمام؟! ما بالنا ونحن كأنما خرست ألسنتنا وعميت أبصارنا، فلا ننطق بكلمة ولا نخط اعتراضاً، ولا نبدي انزعاجاً؛ لماذا وذلك صورة ودليل على حياة الإيمان والإسلام في القلوب من جهة، وهو كذلك إعلان وإظهار لشعائر الإسلام عموماً وشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خصوصاً، وهو كذلك تكثير للخير، وتغليب لسواده، وتقليل للشر وحصر له في موطنه حتى لا يستشري ويعم، نسأل الله عز وجل السلامة.