أضرب أمثلة وجيزة لضعف قرارات مجلس الأمن: فكشمير كانت مع بقية مناطق شبه القارة الهندية واقعة تحت الاحتلال البريطاني، ثم لما انسحبت بريطانيا ورفعت انتدابها، كان من ضمن القرارات الرسمية في هيئة الأمم المتحدة أن تبقى الهند مستقلة، وباكستان مستقلة، وأن الإمارات التي كانت تسمى بالإمارات الهندية يبقى لها حق الاختيار، إما أن تكون مستقلة أو أن تنضم إلى الدولة التي تريدها إما الهند أو باكستان.
بالنسبة لكشمير كان غالبية سكانها من المسلمين، وهي أرض إسلامية عريقة، دخلها الإسلام منذ عهد مبكر في أوائل قرون الإسلام الأولى، بينما كان الحاكم الموضوع في فترة الانتداب البريطاني وفي فترة التسلط الهندوكي بوذياً، فأراد هذا الحاكم البوذي أن يضم كشمير إلى الهند، والمسلمون -وهم الغالبية العظمى في كشمير- أرادوا أن ينضموا إلى باكستان، فعرضت القضية على مجلس الأمن، والعجيب أن الهند هي التي عرضت القضية وقالت: إن هناك تحرشات تهدد الأمن والسلام العالمي، وفي القانون أن أي دولة تقدم شكوى لابد أن تستند إلى نصوص القانون، وتبين مدى خطورة الأمر الذي ينقض أو يعارض هذه القوانين أو المواثيق المتعلقة بالأمم المتحدة.
لنلاحظ ونتدرج مع هذه القضية كيف سارت؟ في عام (1948م) أخبر مندوب الهند في الأمم المتحدة عن وجود هذه المشكلة، ثم شبت الثورة، وبدأ القتال، فمجلس الأمن نادى جميع الأطراف بالامتناع عن كل ما من شأنه الإخلال بالمواثيق الدولية، ثم أعلنت الدولتان استعدادهما لتجميد المسألة.
ثم شكل مجلس الأمن لجنة تحقيق للتحري في القضية، وبذل الوساطة، وإجراء استفتاء للشعب الكشميري؛ حتى يختار حق تقرير مصيره بنفسه كما يقولون، لكن ما بدأت اللجنة أعمالها إلا وقد احتلت الهند ثلثي مساحة كشمير بقوة السلاح وبقوة الواقع مباشرة، وبعد ذلك اختير رجل عسكري أمريكي ليكون مفوضاً دولياً لإجراء الاستفتاء مع لجنة لإقامة هذا الاستفتاء حتى يتم إقراره واعتماده، ولم تنجح اللجنة ولم يتحقق تقدم، ثم في عام (1951م) و (1952م) -يعني بعد ثلاث سنوات من هذه القضية- بدأ بعض التقارب، وكرر مجلس الأمن نداءه بتوقف إطلاق النار، ولكن الهند رفضت.
في عام (1953م) أسست الهند جمعية تأسيسية مؤيدة لها، وأعلنت الولاية جزءاً لا يتجزأ من الاتحاد الهندي، وضمتها إليها رسمياً كما ضمت إسرائيل في أوائل الثمانينات الجولان والمناطق الأخرى التي احتلتها في عام (1967م).
في عام (1957م) -يعني بعد أربع سنوات- اشتكت باكستان إلى مجلس الأمن، وطالبت بسحب جميع القوات الهندية الأجنبية من ولاية كشمير، وضرورة إرسال قوات دولية.
في (24) كانون الأول عام (1957م) قرر مجلس الأمن بأغلبية عشرة أصوات عدم الاعتراف بخطوات الهند وضمها لكشمير، وبقاء الحالة الراهنة في كشمير.
بعد ثلاثة أيام من هذا التاريخ أعلنت الهند في عيد استقلالها ضمها لكشمير ضماً رسمياً نهائياً، فيصبح مجلس الأمن وقراراته تحت حذاء الهند عملياً، ثم استخدم الاتحاد السوفيتي حق الفيتو عندما دعا مجلس الأمن لمعالجة الموقف.
ثم في عام (1965م) لم يكن هناك أي حل، بل ازدادت المسألة شراسة، وازدادت الحروب، وأصدر مجلس الأمن عدة قرارات بوقف إطلاق النار.
وفي عام (1966م) تم التوصل إلى الاتفاق بتشجيع الاتحاد السوفيتي، وتم توقيعه في طشقند، واستخدم في هذا الاتفاق (دبلوماسية)، بحيث يبقى جو النزاع مستمراً، ولا يزال الوضع حتى الآن متأزماً كما هو، ومتفجراً بين فترة وأخرى، ولم يحصل هناك أي حل.
يقول أحد خبراء القانون الدولي تعليقاً على مسألة كشمير: إن فيها أكثر من درس، منها: أنه خلال أكثر من عشرين سنة من بداية جهود الأمم المتحدة ومجلس الأمن لم يقدم إلى أقل القليل لإيقاف الفرقاء من قتل بعضهم البعض، وحتى ذلك القليل ما تحقق إلا في وقت متأخر جداً.
وكذلك ظهر تحدي الهند كعضو في الأمم المتحدة لقرارات الأمم المتحدة ومعارضتها لها معارضة مباشرة، دون أن يكون هناك أي إجراء عملي لمعاقبة الهند، أو كما يقال الآن: إلزامها بضرورة الامتثال لقرارات مجلس الأمن، وإلا فإنه ستكون هناك عقوبات إلى آخره.