حتى نلج إلى صلب الموضوع والقضية، فإننا نستعرض بعض هذه الموازين في نصوصها وقوانينها التي صيغت بها، ثم نرى تطبيقها في الواقع، لنرى حظ المسلمين منها، وهذه الموازين كثيرة جداً، والإحاطة بها يطول أمرها، ولذلك سأقتصر في كل قضية من القضايا على أمثلة محدودة، ربما تزيد في بعض الموازين لأهميتها وكثرة ما ينقضها ويعارضها، وتقل في البعض الآخر؛ لأن الأمثلة فيه قد لا تحتاج إلى ذلك التفصيل.
من أهم هذه الموازين والقوانين التي يكثر الحديث عنها: حقوق الإنسان التي تصم آذاننا في هذه الأيام صباحاً ومساءً، وفي غالب الأحوال لا تكون بالنسبة للمسلمين كما ينبغي أن تكون، أو كما ينص عليها قوانينها.
وأذكر لكم بعض المواد الرسمية في القانون الدولي المتعلق بحقوق الإنسان، ثم نرى بعد ذلك تطبيقاته على أوضاع المسلمين.
ينص هذا القانون في مادته الأولى بالنص القائل: يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق.
وفي مادته الثانية يقول: لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات، دون أي تمييز من عنصر أو لون أو جنس أو لغة أو دين، وكذا فيما بين الرجال والنساء.
وفي المادة الثالثة يقول: إن لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه.
وفي الخامسة يقول: إنه لا يعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات الوحشية أو الحاطة بالكرامة.
وأنا أختار بعض المواد، ولا أذكرها كلها.
المادة التاسعة: لا يجوز القبض على أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً.
المادة الحادية عشرة: كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئاً إلى أن تثبت إدانته قانوناً.
المادة الثانية عشرة: لا يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة، سواء في أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، أو أن يتعرض لحملات على شرفه أو سمعته، وكل شخص يحميه القانون من مثل هذه الاعتداءات.
المادة الثالثة عشر: لكل فرد حرية الانتقال، واختيار محل إقامته داخل حدود أية دولة، وله الحق في الخروج من بلده، كما له الحق في العودة إليه متى شاء دون أية قيود، إلا ما يتعلق بقيود القوانين التي فيها منع بموجب قانون الجريمة أو نحو ذلك.
المادة السابعة عشرة: لكل شخص حق التملك بمفرده أو بالاشتراك مع غيره، ولا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفاً.
المادة الثامنة عشرة: لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، وهذا الحق شامل لحرية تغيير الديانة أو العقيدة وحرية الإعراض عنها.
وسنعرض في آخر الحديث إلى هذه الموازين من حيث النظرة الشرعية، لكننا الآن نجاري هذه الموجة لنعلم أنه حتى هذه القوانين الوضعية التي في بعضها أو كثير منها مخالفة لشرع الإسلام لا تطبق التطبيق الصحيح كما يزعم واضعوها، أو ينادي واضعوها الناس إلى أن يحتكموا إليها.
المادة التاسعة عشرة: لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون تدخل، واستقاء الأخبار والأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بدون تقيد بحدود جغرافية وبأية وسيلة.
المادة الثالثة والعشرون: لكل شخص الحق في العمل، وله حرية اختياره بشروط عادلة مرضية، ولكل فرد دون أي تمييز الحصول على أجر متساو في العمل مع غيره، وله أيضاً الحق في أجر عادل مرضٍ يكفل له ولأسرته عيشه الكريم.
المادة الخامسة والعشرون: لكل فرد الحق في مستوى معيشي كاف يحافظ فيه على الصحة والرفاهية، ويضمن الغذاء والملبس والمسكن والصحة وتأمين المعيشة.
وللأمومة والطفولة حقوق خاصة في هذا أكثر من غيرها، وأن الدول ينبغي أن تكفل هذه الحقوق من الرفاهية، وأن يحصل الإنسان على الحد الأدنى من مستوى المعيشة المقبولة.
المادة السادسة والعشرون: لكل شخص الحق في التعلم، ويجب أن يكون التعليم الأساسي مجاناً وإلزامياً، وأن يتيسر أيضاً التعليم العالي على قدم المساواة التامة للجميع دون أي فروق أو تمييز.
هذه بعض المواد فيما يتصل بالمواد الأساسية في قانون حقوق الإنسان المدنية والسياسية، وهناك أيضاً اختيارات أخرى من قانون حقوق الإنسان في الشئون الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
نقتطف منها مادة واحدة وهي: تقر هذه الدول بحق الفرد في المشاركة الثقافية، والانتفاع بالتقدم العلمي، والانتفاع بحماية المصالح المعنوية والمادية الناتجة من الإنتاج العلمي والأدبي الذي يقوم هو بتأليفه.
هذا ما ذكرناه في مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفي أول مواد الحقوق المدنية والسياسية يأتي الحق الذي يكثر ترداده كثيراً وهو موضوع حق تقرير المصير: تنص المادة الأولى: على أن لكل الشعوب الحق في تقرير المصير، وحرية كيانها السياسي، ومواصلة حرية نموها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
ثانياً: لجميع الشعوب تحقيق غايتها الخاصة في التصرف في حريتها وثروتها ومواردها الطبيعية، وجميع الدول الأطراف عليها العمل من أجل تحقيق حق المصير، واحترام ذلك الحق تمشياً مع ميثاق الأمم المتحدة.
وأيضاً نجد أن هذه المواد تكرس ذاك القول الذي ذكر في مسائل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
ثم أيضاً بعد ذلك أضيفت قوانين أخرى تتعلق بهذا الباب، ومن أهمها قانونان مهمان: الأول منهما: جريمة إبادة العنصر، حيث أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر ديسمبر عام (1948م) اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية، ثم أصبحت هذه الاتفاقية سارية المفعول في عام (1961م) وفي عام (1986م) صدقت عليها ستة وتسعون دولة، وأصبحت هذه الاتفاقية معمولاً بها.
وكذلك معاهدة أخرى وهي معاهدة منع التمييز العنصري، وأصبحت هذه الاتفاقية سارية المفعول في عام (1969م)، وصدقت عليها مائة واثنان وعشرون دولة، وفي كلتا المعاهدتين كانت إسرائيل إحدى الدول المصدقة على مثل هذه المعاهدة.