وثالثة نقف عندها وقفة وجيزة: التخطيط والإعداد لا التفريط والإفساد: أمتنا اليوم يكثر فيها الحديث عن واقعها المؤلم؛ نحن أمة متخلفة تقنياً، تسمعون ذلك ويكرر عليكم صباح مساء، نحن أمة نلبس ما يصنعه غيرنا، ونركب ونأكل ونسير ونبني حتى كأننا عالة على كل أمم الأرض وليس عندنا ما نستقل به حتى في حياتنا المادية، ونحن، ونحن أين البحوث العلمية؟ أين التطور التعليمي الجامعي؟! أين كذا وكذا لكننا نسأل: هل هذا التلاوم أو هذا البحث يعقبه تخطيط طويل المدى، متشعب الجوانب، ووراءه إعداد وعدة وعمل وجد، حتى نغير هذا الواقع وفق سنة الله: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:11]، {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:105].
لا بد من عمل، وهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم لم تأت فلتة عابرة، بل سبقها ما سبقها من محاولات وتجارب، ثم تهيئة كانت فيها دعوة مصعب بن عمير وكانت فيها بيعة العقبة الأولى، وكان فيما بينهما هذه الدعوة، وكان فيها تهيئة الأسباب وخروج الأصحاب وإعداد لهجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، حتى إذا استحكمت الأمور وأتمت عدتها هيأ الله لها أسبابها ويسر لها تحقيق مرادها، فكان الأمر الذي تم هو نتيجة ذلك التخطيط والإعداد والعمل والجد المتواصل.
وأمتنا اليوم تتلاوم ونجد أنها ما زالت في مجمل أحوالها لا تأخذ السبيل الحقيقي للتغيير الواقعي والعمل الجاد، أين نحن اليوم وما زال الإعلام لا يقدم لنا في هذه الفضائيات شيئاً يربي الشباب، ولا يعلم الجاهلين، ولا يذكر الغافلين، ولا يبين مواطن الضعف؟! إنما هو صراخ وجؤار أو دعاية وتسويق أو فساد وإفساد، ونرى ونسمع ونعلم من ذلك ما تعلمون، فهذه وقفة مهمة أيضاً فيما بين هذين العامين، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يردنا إلى دينه رداً جميلاً، وأن يبصرنا بعيوب أنفسنا وأن يهيئ الرشد والهدى والتقى لأنفسنا.
أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.