الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله؛ فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، وإنه لابد لنا أن نحقق إخوتنا الإيمانية لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10]، وأن نحقق رابطتنا الإسلامية لقوله صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم).
ولابد لنا في الحقيقة أن نحقق ذاتيتنا وعقيدتنا بالنظر والتأمل والتدبر وفق حقائق القرآن وثوابت الإيمان، دون أن نتأثر بهذه الوقائع وما يتلوها من الأوهام والتحليلات.
ولعلي أشير أيضاً إلى جانب آخر: وهو أن الذين يكثرون القول علينا من المآسي والنكبات التي حلت بإخواننا، ويبدون حزنهم على ذلك أو تأثرهم به، ثم يدعون إلى ترك المقاومة، وكأن تركها سيجعل العدو يقدم الورود بدلاً من الرصاص، نقول لهم: بدلاً من ذلك اجعلوا هذه المأساة محركة للآخرين، فأين نحن من بيوت هدمت؟ أين نحن من أسر لم يعد لها عائل لأن عائلها أسير أو شهيد؟ وأين نحن من نصرة إخواننا؟ بل أين الدول العربية؟ وأين الجيوش، وأين السياسات؛ وأين القيادات؟ فلمَ لا يقال ذلك؟ ولماذا يكون الحل هو عند أولئك الضعفاء الذين لا يملكون شيئاً من أسباب الحياة الدنيوية والمادية سياسية أو مالية أو عسكرية؟ ولمَ لا يكون لنا تواصل وصلة نحقق بها الأخوة الصادقة، ونحقق بها الرابطة الإيمانية الوثيقة، ونوقن بأن النصر مع الصبر، وأن سنة الله الماضية، وأن الله جاعل للمتقين فرجاً ونصراً، وأن الله يدافع عن الذي آمنوا؟! واعلموا كذلك أن بعضاً منا ممن نفسه قصير قد يقول: لقد طال الأمر، وتوالت السنون، وتجاوزت نصف قرن! ونقول مرة أخرى: لقد بينت لنا آيات القرآن شدة الأمر وصعوبته وطوله، وأنه مرهون بسنة الله عز وجل، كما قال سبحانه: {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214].
فنحن نوقن بهذا القرب، ولا نعرف أمده ولا مدته، لكن الناظر رأي العين فضلاً عن فقه القلب ويقينه، يرى أن الأمور سائرة في طريقها المحتوم، وأن العاقبة للمتقين.