إن من تعظيم الله عز وجل مراعاة ما حرم الله عز وجل في هذه البلاد المحرمة في بيت الله الحرام من تنفير الصيد، وقطع الشجر، فلا يجوز أن يفسد في الأرض، أو يفسد في حرم الله، أو يفسد في البلاد التي فيها حرم الله عز وجل، أو ينقض أمن الحجاج، أو يثير رعبهم، أو يعتدي على أرواحهم أو أموالهم، أو يجعل شيئاً من ذلك في هذه الفريضة بصورة أو بأخرى، فمن فعل هذا أو شيئاً منه فإنه متعرض لهذا التهديد والوعيد الرباني في قوله سبحانه: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج:25].
فالحفاظ على حرمة البيت والحرمين والحفاظ على بلاد الحرمين وحرمتها تعظيم لله عز وجل، وتعظيم لحرمات الله سبحانه وتعالى، وإشاعة للأمن الذي جعله الله عز وجل مزيةً للحرمين الشريفين، ومزيةً للبلاد المقدسة المحرمة، ومزية للشعائر والفرائض التي جعلها فيها، كما قال جل وعلا: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} [البقرة:125]، حتى كان أهل الجاهلية يرى أحدهم قاتل أبيه في الحرم فلا يعرض له بسوء تعظيماً لحرمة الزمان والمكان التي أكدها النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع عندما سأل عن الزمان والمكان والوقت، ثم قال: (ألا إن دماءكم وأعراضكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا)، إنها حرمة معظمة، يجب أن نعظمها لله عز وجل، وفاعل هذا محقق لمعنىً من معاني الإيمان.
قال ابن القيم رحمه الله: لم يقدُر الله جل وعلا حق قدره من هان عليه أمره فعصاه، ونهيه فارتكبه، وحقه فضيعه، وذكره فأهمله، وغفل قلبه عنه، وكان هواه آثر عنده من طلب رضاه، وطاعة المخلوق عنده أولى من طاعة الله، فلله الفضلة من قلبه وعلمه وقوله وعمله وماله، وسواه مقدم عنده؛ لأنه المهم عنده.
إن تعظيم الله عز وجل بتعظيم حرمة بيته، وتعظيم شعائره، وتعظيم المشاعر التي قدسها وأمر بتقديسها عز وجل وأمر أن نطهرها ونعظمها، ولذلك فمن كلام الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (يا أهل مكة! انظروا إلى بلدكم، ثم قال لهم: أتدرون من كان ساكناً في بلدكم هذه؟ ثم قال: كان فيها بنو فلان فأحلوا حرمتها فأُهلكوا، ثم كان فيها بنو فلان فأحلوا حرمتها فأُهلكوا.
ثم عدد بطوناً من الناس، ثم قال: لأن أعمل بعشر خطايا في غيره أحب إلي من أعمل واحدة في مكة).
وذلك من تعظيم حرمات الله، ومن استشعار وتحقيق معاني الإيمان، والأمر في ذلك ظاهر بين.