وجوب التعلق بالله عز وجل ودعائه في جميع الأحوال

تذكر -أخي المسلم- حالك كم مرت بك من مشكلة، وكم واجهتك من معضلة، وانظر إلى ما فعلت فيها، هل اتقيت الله عز وجل في حلها؟ وهل تورعت عن أن يكون في سبيلك إلى دفع الضر عنك أذى لغيرك أو ارتكاب لحرام؟ وهل صدقت في التجائك إلى الله سبحانه وتعالى وأخلصت له وتذللت بين يديه، وعرفت ما سلف من تقصيرك، وما سبق من ارتكابك للمحرمات، فجعلت هذا البلاء تجديداً للولاء مع الله سبحانه وتعالى؟ إن الأحوال التي تمر بنا في هذه الأيام وفي هذه الأوقات تذكرنا دائماً بقضية المشكلات وقضية المعضلات التي تواجهنا، وكيف نتخلص منها أو نلتمس لها سبيل النجاة.

فانظر إلى هذه الأمثلة القرآنية التي تتنوع في شتى نواحي الحياة، فإن سدت عنك أبواب الرزق أو ضاقت عليك ذات اليد، أو انعدمت حيل التماس الأسباب فيما بين يديك فاستمع إلى قول الله جل وعلا: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل:53] أي: تتضرعون وتلتجئون وتدعون وتبكون حتى تعود لكم نعمه، وحتى تنصرف عنكم نقمه.

فكيف تلتمس بنعم الله وباستخدام نعم الله طريقاً إلى معصيته، أو ارتكاباً لما حرم سبحانه وتعالى؟! فإذا نزل بك المرض فارجع إلى الله عز وجل، وكم يعاني الناس اليوم من أمراض ما سمعنا بها في الأولين، وأهل التقدم العلمي التكنولوجي الذين يفاخرون ويطاولون ما وصلوا إلى معرفة سببها وكنهها، فضلاً عن أن يعرفوا علاجها ودواءها، وهي بلاء من الله لهذه البشرية لما أعرضت وجحدت وتنكرت وكفرت وأسرفت، وبلغت غاية لم تبلغها الجاهلية الأولى، فإذا مرضت وأخذت بالأسباب فلتكن الأسباب أسباباً، ولا تكن غايات؛ فإن بعض الناس إذا مرض اليوم ذهب إلى الطبيب وهو غير شاكٍ مطلقاً أن الشفاء بيد هذا الطبيب، وربما إذا لم يجد حلاً في ذلك أشار عليه بعض الناس إشارة تتضمن خطراً في مضمونها، ويقولون له: اذهب إلى فلان الطبيب؛ فإنه مجرب، وما من مريض إلا ويشفى على يديه.

سبحان الله! فأين الله سبحانه وتعالى؟! وأين تعلقنا بالله؟! وأين صدق التجائنا إلى الله سبحانه وتعالى؟! أفما نرى في هذه الأمراض والأدواء عبراً؟! أفما نرى في فشل الطب في كثير من الأسباب صوراً من هذا العجز البشري الذي ينبغي أن يفتقر به الناس إلى رب الأرباب سبحانه وتعالى؟! قال عز وجل: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ} [الأنبياء:83 - 84]، إنها معادلة سهلة واضحة، وقع به الضر، ونزل به المرض وأقعده سنوات، فكان العلاج هو ذلك الالتجاء الصادق والدعاء الضارع والإخلاص الذي أظهره لربه ومولاه، والأدب الذي تكلم به: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء:83]، فاستنزل الرحمة من السماء، ورُفِعَ -بإذن الله عز وجل- البلاء، فهذا هو طريق الشفاء.

وفي أمر النفس وما يعتريها من الضيق والكرب لمخالفة الناس أو لاستهزائهم، أو لبعض ما يواجهون به الإنسان من المشاكل والعراقيل يقص الله عز وجل علينا قصة يونس عليه السلام: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء:87 - 88]، هذا هو الطريق {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87]، إنه اعتراف وتذلل وخضوع، ودعاء وابتهال والتجاء، فكانت العاقبة: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء:88].

وما أكثر الظلم في هذه الأعصر! وما أكثر المظلومين المقهورين الذين لا يجدون من ينتصف لهم، ولا من يرد عنهم الظلم، ولا من يأخذ لهم حقهم! فينبغي أن لا ينسوا الحكم العدل سبحانه وتعالى، وينبغي أن لا ينسوا قاصر القياصرة، وكاسر الكياسرة، ومغرق فرعون، ألا وهو الله سبحانه وتعالى جبار السماوات والأرض، فليستنصروا بالله على من ظلمهم، وليستنصروا بالله على من قهرهم، فقد قص الله علينا قصة نوح عليه السلام فقال عنه: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ} [القمر:10 - 14]، هكذا جاءت الاستجابة لما كان العبد على منهج الله، وصدق في التجائه إلى الله سبحانه وتعالى.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ معاذ لما بعثه إلى اليمن: (واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) ففي أيدينا سهام نافذة وأسلحة فتاكة نغفل عنها، ونلتمس الذلة والدنية في ديننا، فربما ظلمنا ظالم فتنازلنا لأجل مفاداة ظلمه عن ديننا، أو عن أخلاقنا، أو عن بعض شرفنا وكراماتنا، فأين استعلاؤنا بالإيمان؟! وأين شموخنا بالإسلام؟! وأين ثباتنا على الحق؟! وأين التجاؤنا إلى الله سبحانه وتعالى؟! وفي الصحيحين من حديث أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله ليملي للظالم -أي: يمهله- حتى إذا أخذه لم يفلته.

ثم تلا قوله عز وجل: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102]).

أفنحن في شك من آيات ربنا ومن أحاديث نبينا صلى الله عليه وسلم؟! ولذلك تنوعت هذه الأسباب، وإذا جاء القهر فهذا هو الطريق، وإذا أرادت الأمة النصر فهذا هو الطريق: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ} [يوسف:110].

كذلك يرسم الله عز وجل لنا الفرج والنجاة في كل الأحوال التي تمر بنا من ضيق في الصدر، أو قلة في الرزق، أو بلاء في البدن، أو قهر في المعاملة، أو ظلم في المواجهة، أو هزيمة في المعركة، كل ذلك يدفع -بإذن الله- بصدق الالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى.

فاللهم! إنا نسألك أن ترزقنا كمال الإخلاص لك، وصدق الالتجاء إليك، وعظمة التوكل عليك، وكبر الثقة بك يا رب العالمين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015