إنك -أخي المسلم- قد يركبك الهم، ويتضاعف عليك الغم، وتضيق نفسك، ويتحشرج صدرك بسبب بعض المشكلات والمعضلات، فاعلم -أخي المؤمن- أنه ليس لها من دون الله كاشفة، وكثير من الناس يمرون بظروف مادية صعبة، فأبواب الرزق في وجوههم موصدة، وأحوالهم المادية صعبة، وربما كانوا في شظف من العيش مع كثرة الاحتياج وقلة ذات اليد، فاعلم -أيضاً- أخي المؤمن يقيناً وواقعاً وسلوكاً ومنهجاً أن الله سبحانه وتعالى هو الرزاق، وأنه سبحانه وتعالى بيده إجراء النعم، وبيده لحكمة وابتلاء إمساكها، قال عز وجل: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا} [فاطر:2]، فينبغي أن ندرك هذه الحقيقة، وأن نتعامل معها التعامل الإيماني؛ لأننا نرى الأمر أعظم في أحوال الأمة، فعندما نرى أحوال إخوان لنا في البوسنة والهرسك، أو في كشمير، أو في فلسطين، أو في الصومال أو هنا أو هناك نرى صوراً عجيبة من البلاء، ونرى صوراً شديدة من العناء، فينبغي أن تكون درساً عظيماً يسوق الأمة إلى خالقها، ويدفعها إلى الالتجاء إلى ربها؛ لأنه سبحانه وتعالى قد علمنا هذه الحقائق في القرآن الكريم، وتجسدت لنا حية ناطقة شاهدة بصدق هذا المنهج في سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، قال عز وجل: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ} [الأنعام:17]، وقال: {وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ} [يونس:107]، فلو استقرت هذه الحقيقة في قلب كل مؤمن ورسخت رسوخاً قوياً لما وجدنا ذلك التذمر الذي نسمعه من كثير من الألسنة، وذلك التبرم بالقضاء والقدر، وذلك الالتماس لتفريج الكربات بارتكاب المعاصي والمحرمات، فإذا ضاقت أسباب الرزق لجأ الناس إلى الرشوة، وإلى السرقة، وإلى استخدام الحرام وسيلة لكسب الأرزاق، فإن عورضوا في ذلك قالوا: سدت أمامنا الأبواب، وانقطعت الأرزاق.
ونسوا أن الله سبحانه وتعالى هو الرازق وهو الوهاب، ونسوا أنهم بذلك يرتكبون ما يستوجبون به سخط الله سبحانه وتعالى، وكم تجد مضطراً قد وقعت به أو حلت به نازلة أو مصيبة يذهب شرقاً وغرباً، ويمر بهذا وذاك، ولا يلتفت قلبه، ولا يتأمل فكره في أن يرفع يديه إلى السماء، وأن يذرف دمعة تذلل وخضوع وتضرع لله سبحانه وتعالى القائل: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل:62].
هكذا يعلمنا الله عز وجل أن هذا البلاء وأن هذه الأقدار تعظم صلتنا بالله، وتؤكد ثباتنا على طاعة الله وحرصنا على رضوان الله سبحانه وتعالى.