أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! فأوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله؛ فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، وإن هذه التقوى هي في معناها تدل على التطهر، إذ هي أن يتخذ العبد بينه وبين عذاب الله وقاية باتباع ما أمر، والابتعاد عما نهى عنه وزجر.
والتطهر -يا عباد الله- أمره عظيم؛ ولذلك ينبغي أن نسعى جاهدين إلى تطهير قلوبنا وألسنتنا وجوارحنا تطهيراً نبالغ فيه، ونعتني به، ونحرص عليه ونداوم، ونكرره دائماً وأبداً.
وكما نتفنن في جلب المطهرات للأثواب أو البيوت ينبغي أن نحرص على أن نأخذ كل أسباب التطهر القلبي، وكما ذكرت في شأن ذلك التطهر في أفراد المجتمع، فإن هناك صوراً كثيرةً جداً على مستوى المجتمعات -لا على مستوى الأفراد- تحتاج إلى التطهير الذي ينبغي أن يكون جاداً وقوياً، وأن يكون صادقاً وخالصاً، وأن تتظافر الجهود عليه، وأن تتوفر كل أسباب التعاون للقيام به؛ لأنه من أعظم أسباب التعاون على البر والتقوى.
ينبغي أن تتطهر مجتمعات المسلمين من أوضار السياسة، بما فيها من النفاق الدولي، والكذب الدائم، والمخادعة التي لا تليق بمسلم، ومن المكر بالمسلمين، وكذلك الولاء لأعدائهم، والبراءة منهم على عكس ما أراد الله عز وجل وأمر به من الولاء للمؤمنين والعداء للكافرين.
وصور أخرى كثيرة لعل أبرزها: أن كثيراً من السياسات في بلاد الإسلام لا تعتمد شرع الله عز وجل، ولا ترجع إلى كتاب الله، ولا تحكم بشرع الله عز وجل، وهذا لا شك أنه أعظم الأقذار والأوضار والأوزار التي يعم بلاؤها، وينتشر ضررها، وتفتك أمراضها بالمجتمع أفراداً وجماعات؛ لأن هذه هي التي تصبغ حياة الناس وتفرض عليهم كثيراً من الصور.