وقد كان العزم أن يستفيض الحديث عن هذه المآسي، وعن هذه الآلام، ولكن بدأ في الأفق غبار تراب يتصاعد، ودخان لهب جديد في أرض من بلاد الله فيها مائة وعشرون مليون مسلم، إنها أرض الهند التي سمع الناس وتناقلت الأنباء خبر هدم مسجدها الأعظم والأقدم المسجد البابري الذي له أكثر من ثلاثمائة وخمسين سنة، والذي أسس على التقوى وعلى الإسلام، وما تزال الدوائر الهندوسية تتربص به الدوائر منذ عام خمسة وثمانين وثمانمائة وألف، أي: منذ أكثر من مائة عام وهم يسعون لهدمه، ثم هدموه على مرأى ومسمع من كل الدنيا، وهي تشهد ذلك بأنظارها عبر الشاشات، وتسمعه بآذانها عبر الإذاعات، ولكن لا ملب ولا مجيب! إنها صورة أخرى من الآلام المحزنة، ومن المآسي المفزعة التي تصب على المسلمين، وقد يكون الخبر عند كثير من الناس أنه مسجد هدم وانتهى الأمر، ولكنها عداوة أصيلة دائمة يتشابه فيها الهنود مع اليهود؛ لأن الكفر ملة واحدة، قال عز وجل: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120] ولذلك لم تكن هذه الجريمة إلا إحدى أكبر الجرائم التي يمارسها أولئك الكفرة ضد أبناء الإسلام والمسلمين في تلك الديار.
إنها حقائق وجرائم كثيرة، فقد تم قبل ذلك هدم نحو ثلاثين مسجداً في (عليغره) في الهند، ونحو عشرة مساجد أخرى في حيدر أباد، وقتل في هذه المشكلات وفي هذه الجرائم مئات من المسلمين، وهكذا في هذه المؤامرة الأخيرة التي وقعت، فقد تضافرت فيها قوات الشرطة الهندية التي كانت تتفرج على مائة ألف من الهندوس المتعصبين الكفرة المجرمين وهم يعملون معاولهم في هدم المسجد وقبابه حتى تركوه أثراً بعد عين، وما تركوا فيه لبنة على لبنة، والشرطة تنظر إليهم! ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل القضية أوسع؛ فالاضطرابات والاعتداءات على المسلمين مع هذا الحدث مستمرة متوالية، وقد قتل ألف من المسلمين في (بومباي) وحدها، وحرق نحو مائة طفل مسلم في ولاية (بوجراد) في الهند أيضاً، واعتدي على مصانع المسلمين ومتاجرهم في منطقة (محمد علي روس بومباي)، وما تزال السلطات الهندية تفرض حظر التجول حتى لا يتحرك المسلمون ولا يخرجوا من بيوتهم، وحتى يتمكن أعداؤهم من كسر متاجرهم وتدميرها وحرقها، والصراخ يعلو، والصرخات تتوالى، والجرائم تتابع، والدماء تنزف، والرقاب تقطع، وتشكل هذه المأساة صورة يعاني منها مائة وعشرون مليون مسلم يشكلون أقلية في تلك البلاد الكفرية.
ومع ذلك عندما علت هذه الصورة تنامى إلى الأسماع أزيز الطائرات أفواجاً إثر أفواج، ثم مشاهدة الجنود أرتالاً إثر أرتال من القوى الأمريكية والغربية التي جاءت لإنقاذ البلد العربي المسلم الإفريقي الذي يشكل المسلمون فيه نسبة مائة في المائة، هذا البلد الإفريقي الذي يعد وحيداً في كونه لا يوجد فيه غير المسلمين، وتهبط هذه القوات وقد استبطن في الأرض ليس آلافاً ولا عشرات الآلاف بل مئات الآلاف ممن حصدتهم المجاعة، وحصدهم رصاص البغي والاختلاس والعدوان على مرأى من الدول العربية والإسلامية، وعلى مدى عام كامل وأكثر، فليست أيام قليلة، ولا أشهراً عديدة، بل أكثر من عام كامل والمأساة تتكرر، ويبلغ القتلى والموتى مئات الألوف، ويبلغ المرضى أكثر من ذلك، ويبلغ المهاجرون أكثر من ذلك، وتتجسد أمامنا صورة أخرى من صور المآسي التي تمر بالمسلمين في كثير من الديار، ولن تنسينا هذه المآسي معسكرات الاعتقال، وقنص الأطفال، واغتصاب النساء، وذبح الرقاب وحزها، وتهجير المسلمين في أراضي البوسنة والهرسك.