الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، فاتقوا الله في السر والعلن، واحرصوا على أداء الفرائض والسنن.
وإن من الأمور التي نذكر بها أيضاً في هذا المقام: أمر التعاون والتكامل لا التناقض والتآكل؛ فإننا في هذه المسألة نحتاج إلى المدرس في مدرسته، وأستاذ الجامعة في جامعته، وخطيب المنبر في مسجده، وكاتب الصحافة في صحيفته، ومقدم البرنامج في إذاعته أو قناته.
فإذا حصل التكامل وشيء من تبادل الأدوار في ذلك حصل بذلك خير كثير، وإذا كان التراشق بالتهم متبادلاً، أو هذا يبني وذاك يهدم أو العكس، فإن أموراً من الخير كثيرة تفوتنا، وإنه ينبغي لنا في حقيقة الأمر أن نتبصر ونستبصر، وأن نتبادل الرأي والفكر، والمعلومة الصحيحة، بعيداً عن مناهج قد تؤدي إلى شيء من الاختلاف والخلاف فيما بيننا، وإننا دائماً وأبداً نحتاج في ذلك إلى ما ذكرناه في الحديث الأول: إخلاص النية لله، والصدق والمناصحة، والحرص على الألفة والوحدة والجماعة، فإن وجد ذلك وجدنا أننا يمد بعضنا يده إلى الآخر، ويمكن أن يتنازل عن شيء مما قد يكون في ذهنه أو رأيه إذا رأى أن غيره أرجح، أو ربما يكون أصوب، أو ربما يكون مثله أو أدنى منه لكن في تقديمه مصلحة، أو ربما يكون الرأي عندي صحيحاً لكن الناس لا يقبلونه مني وقد يقبلونه من ذاك، فليقل به غيري؛ فإن إصابة الحق وإرادته هي الأولى والأكمل.
ونحن نعلم أننا بحمد الله عز وجل في مجتمع إسلامي، والناس فيه يصغون بقلوبهم قبل آذانهم لمن يتحدث إليهم بلسان الدين، وبآيات الله، وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإذا مزج مع ذلك بما هو منشور وشائع من أقوال وحكم وآراء مختلفة فإن ذلك يزيد إلى الخير خيراًَ، ونحن نعلم أن لسان المتحدث باسم العلم والدعوة والخطابة لسان تصغي إليه القلوب والآذان، فمن هنا ينبغي لنا أن نخلص في ذلك، وأن نجتهد في إصابة الحق في البحث وتحريه، والنظر في الأدلة ومراميها ودلالاتها، ومعرفة الواقع وإشكالاته وحقيقته، وذلك ما نهدف إليه بإذن الله عز وجل.