الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين؛ نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله؛ فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه؛ وإن من تقوى الله أن نسعى ونبذل في الدعوة إلى الله، وأن نشارك فيها ونسهم ولو بألسنتنا وأقوالنا، ولو بأموالنا وجهودنا، ولو بأوقاتنا وأفكارنا؛ فإن الله عز وجل سائلنا عن ذلك، وإن نعم الله عز وجل علينا التي يجب علينا شكرها عظيمة، فقد منَّ الله علينا بإيمان وإسلام وعلم ومعرفة ومساجد كثيرة يذكر فيها اسم الله، وأحوال مادية أقل ما يقال فيها: إن فيها الكفاف، وفوق ذلك بين أيدينا من الوسائل والكتب والأشرطة والإذاعات ما نستطيع أن نستفيد به وننتفع منه كثيراً، ثم نحن لا نفكر مجرد تفكير في دورنا في خدمة ديننا وفي واجبنا في شكر نعم الله سبحانه وتعالى علينا، وليست هذه القصص والأنوار التي تشرق في القلوب في أفريقيا بل في أعماق أوروبا المتحضرة، وفي أعماق أمريكا وغيرها وهي شهادات ناطقة حية على قوة هذا الدين، وعلى صلاحيته وفطريته وقوة حجته، وعلى انطباعه وانطباقه على ظروف الحياة المختلفة والمستجدة، فلئن كان البعض قد يقول: إن الأفارقة في أحوال تعليمية ومادية ومعيشية يمكن أن تكون جالبة لهم إلى الإسلام فما نقول في الأوروبيين والأمريكيين وعندهم تعليم كامل ومادة كثيرة ورزق ورغد عيش وافر فما بالهم أيضاً يدخلون في الإسلام؟ قصة واحدة أذكرها من فنلندا رأيت صاحبها ولقيته وتحدثت إليه: شاب دون العشرين من عمره مسلم اسمه: ميكائيل، مقبل على الخير، وحضر معنا دورة علمية فيها محاضرات إسلامية, وكان يترجم له؛ فسألته عن قصة إسلامه؛ فأخبرني أنها قصة امتدت سبع سنوات، كان له زميل في المدرسة صومالي مهاجر إلى تلك البلاد، وانظروا كيف يسوق الله الخير؟ وكيف تجري أقداره؟ قال: وكان زميلاً لي في فصل المدرسة، وكان بحكم أنه جديد ضعيف في الدراسة يحتاج إلى مساعدة، فكنت معه على مدى سبع سنوات أساعده في الرياضيات والفيزياء والكيمياء واللغة وغير ذلك، وتوطدت بيننا أواصر الصلة والصداقة والصحبة، وكانت نقاشات تدور بيننا عن الدين وعن الإسلام، وإذا به يذكر أنه يصلي ويتوضأ وأنه يتطهر ونتناقش في ذلك، وزدت بعد ذلك قراءة في ترجمات معاني القرآن حتى أسلمت على مدى سبع سنوات.
شاب في عمر العشرين والشباب هناك غارقون حتى آذانهم في الشهوات والملذات؛ فسألته عن ذلك وقلت له: كيف كان تأثير تحول الإسلام في حياتك، وربما كانت لك حياة سابقة فيها وفيها؟ فعجبت حينما ذكر لي أن له أسرة فيها شيء من المحافظة الأخلاقية، وقال: كنت لا أشرب الخمر، ولا أحضر الحفلات المختلطة مطلقاً، وبقيت بفضل الله له فطرة سوية، وهكذا ستجد في كل مكان ما يدل على عظمة هذا الدين، ولكنه كذلك من جهة أخرى يكشف عن تفريط وتقصير المسلمين، وأنهم يستطيعون لو خدموا دينهم أن يفعلوا الكثير بدلاً من أن يتراشقوا بالتهم ويختصموا فيما بينهم، أو يبددوا أموالهم في السرف والسفه فيما ليس وراءه طائل، بل مما قد يكون عليهم فيه مغبة ومذمة.
وأذكر معلومة مهمة إحصائية من الأمم المتحدة قبل نحو ست سنوات على وجه التحديد تقول فيها: إن أعلى الديانات التي تكتسب أشخاصاً جدداً هي ديانة الإسلام، وليس هذا في كل عام تقريباً لكن تلك الإحصائية تقول: إن الدين الذي يليه هو المسيحية، والفارق بينهما ستة أضعاف، أي: أنه إذا دخل في المسيحية ألف فالداخلون في الإسلام ستة آلاف مع تقصير وتفريط في المسلمين، ومع اجتهاد وجهد وبذل كبير في النصارى كما ذكره بعض من أسلم ممن بلغ مراتب عالية في الكنيسة.
وأختم مقالنا بقول الأسقف السابق جوهن سبرت من جنوب أفريقيا وقد أسلم يقول: من المؤسف حقاً أن الجهود التنصيرية لا تشكو أي نقص تنظيمي أو حركي أو مالي أو معنوي، وهذا ما نفتقده عند دعاة الإسلام فضلاً عن المصاعب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لذا لا بد أن نتحمل مسئوليتنا، وأن نخدم ديننا، وأن نبذل لدعوتنا.
نسأل الله عز وجل أن يوفقنا لذلك، وألا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، وألا يجعلنا من المقصرين.
ونسألك اللهم أن تجعلنا دعاة لدينك، وجنداً في سبيلك، ونسألك اللهم أن تحسن ختامنا في الأمور كلها، وأن تجيرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
اللهم تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من عبادك المخلصين، ومن جندك المجاهدين، وأن تكتبنا من ورثة جنة النعيم، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راض عنا يا رب العالمين! اللهم وفقنا للصالحات، واصرف اللهم عنا الشرور والسيئات، واغفر اللهم لنا ما مضى وما هو آت، برحمتك يا رب الأرض والسماوات، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وارفع بفضلك كلمة الحق والدين، ونكس رايات الكفرة والملحدين، اللهم عليك بسائر أعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً.
اللهم رد كيدهم في نحرهم، وأشغلهم بأنفسهم، واجعل بأسهم بينهم، وفرق كلمتهم، يا قوي يا عزيز يا منتقم يا جبار أنزل بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا رب العالمين! اللهم إنا نسألك لطفك ورحمتك ورعايتك وعونك لعبادك المؤمنين المضطهدين والمعذبين والمشردين والمبعدين والأسرى والمسجونين والجرحى والمرضى والجوعى في كل مكان يا رب العالمين! اللهم امسح عبرتهم، وسكن لوعتهم، وفرج همهم، ونفس كربهم، وعجل فرجهم، وقرب نصرهم، وادحر عدوهم، وزد إيمانهم، وعظم يقينهم.
اللهم اجعل ما قضيت عليهم زيادة لهم في الإيمان واليقين، ولا تجعله فتنة لهم في الدين، اللهم اجعل لنا ولهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل فتنة عصمة، ومن كل بلاء عافية يا سميع الدعاء! اللهم اختم لنا بخير، واجعل عاقبتنا إلى خير، وابعثنا على خير يا رب العالمين! اللهم انصر عبادك وجندك المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين! واجعل اللهم هذا البلد آمناً مطمئناً رخاء وسائر بلاد المسلمين، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين! عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56]، وترضوا على الصحابة الكرام، وخصوا منهم بالذكر ذو القدر العلي، والمقام الجلي؛ أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً، وعلى سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
{وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:45].