Q المواجهة مع العدو ستجر حتماً إلى المواجهة مع الأنظمة والحكومات، ألا تعتقد بأن أقل ضرر أن يترك الأمر على أولياء الأمر وعليهم الوزر والخطيئة؟
صلى الله عليه وسلم نحن معاشر المسلمين والشعوب في كثير من الأحوال مع كثرة هذه المشكلات أصبحنا ننفس عن أنفسنا بالنقد الدائم على الحكومات والدول والمسئولين، ولا يعني ذلك أن هؤلاء براء، وأنهم ليسوا مفرطين ومقصرين، لكننا لا نقول ذلك حتى نبرئ أنفسنا من المسئولية، بل كلٌ في رقبته وعنقه مسئولية وأمانة لا تبرأ بمثل هذا.
وعندما نقول ذلك على سبيل الإصلاح والدعوة ينبغي أن يكون بوسيلته الصحيحة، وليس هكذا كلاماً وجعجعة في الهواء وصراخاً في وسائل الإعلام لا على هدي ولا على منهجية ولا بطريقة ولا بآلية يصل بها الأمر إلى ما قد يرجى به الخير والإصلاح.
ونقول كذلك: هل يمكن أن يصلح الحكام والأمراء وتبقى الرعية فاسدة فيكتمل الأمر؟ لا، بل هي حلقات لابد من اكتمالها، فإن لم تكمل ما بيدك وما هو تحت أمرك، وما هو في طاقتك وقدرتك؛ فكيف تكمل غيره؟! ولكننا نقول أيها الإخوة: ينبغي ألا نكون عاطفيين ومندفعين، وينبغي أيضاً ألا نكون بعيدين عن الوعي والإدارات، وعن معرفة الحقائق والمخاطر، وعن معرفة الأسباب والمسببات، ولكن كل ذلك يحتاج إلى بصيرة ووعي وحكمة، والأمور العظيمة الكبيرة لا ينبغي أن ينفرد بها آحاد الناس ليقرروا فيها، ولينفذوا فيها ما رأوه من القرار دون أن يعرفوا كثيراً من الجوانب المحتفة بها، والأمور اللازمة لها، ودون أن يتشاوروا مع غيرهم؛ لأن هذا الأمر لا يخصك وحدك، بل يخص الأمة؛ فإذا صنعت صنيعاً كنت فيه مخطئاً ربما جررت على غيرك وعلى أهل الإسلام ما يكون أعظم وأكثر ضرراً مما أردته من الإصلاح، فهذه مسألة مهمة.
ثم أيها الإخوة! نحن أيضاً علينا واجب، وندرك أن كل الحكام والأمراء والمسئولين هم من بني البشر، وهم في أصلهم على إسلام وإيمان، فلم لا يكون لنا أمل في أن تكون هذه الأحداث كما أيقظتنا نحن من غفلة أن توقظهم، وأن يكون هناك أسبابٌ تؤخذ حتى يتكامل الإصلاح من جوانبه كلها؟ نحن نعرف أن أعداءنا يريدون أن يلعبوا على الحبلين، وأن يشقوا الصفوف؛ لأن الفرقة -حتى ولو كانت لها بعض الأسباب الصحيحة- لو شاعت وكثرت في المجتمعات بالمهاترات والمخاصمات والمعارضات والاعتراضات؛ شغلت بها الأمة، وكان بأسها بينها، وصارت أحوالها متعارضة داخل صفوفها، ولا مصلحة في هذا، ولا خير في هذا إلا لأعدائنا، فينبغي أن نكون أصحاب فطنة وتفويت للفرص على أعدائنا، ونتقي ونترك شيئاً من الشر لأننا لا نريد أن يكون ما هو أعظم منه، وهذه مسألة مهمة.
فهل ترون هذه الأزمات التي تمر بالأمة بداية للخلافة الإسلامية التي بشر بها النبي عليه الصلاة والسلام؟ أقول: إن نحن أخذنا بما تذاكرنا به الآن، وبدأنا بالتغيير الصحيح فإن الله عز وجل وعد وقال: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:11]، لكننا إن بقينا على ما نحن عليه فذلك هو الخطأ.
وأقول متفائلاً ومستبشراً: لابد أن نشيع في أنفسنا الأمل بإذن الله عز وجل، فالخير في أمة الإسلام، واليوم تيقظت كثير من العقول، وحيت كثير من النفوس، وارتفعت كثير من العزائم، وسمت كثير من الهمم، وتنادى الناس إلى الخير، وتواصوا به، ونحن نريد أن نجعل هذا دائماً ومستمراً وزائداً ونامياً حتى يكون فيه -بإذن الله عز وجل- بشارات، ونحن اليوم في خير كثير لم يكن ليحصل لولا ما قدر الله من هذا الأمر وهذه الأحداث، فهل أحد يشك اليوم في عداء الأعداء؟ وهل أصبحت هناك غشاوات ما زالت تعمي العيون أم أنها قد أصبحت عارية مكشوفة واضحة؟ أنى لنا ذلك؟ وكيف حصل ذلك؟ وكيف يمكن أن يصل إلى هذا؟ قبل ذلك كنت تقول: هؤلاء الكفار يفعلون أو هؤلاء خطيرون، ويقول لك القائل: يا أخي! أنت مبالغ، وأنت لا تعرف، وأنت تتكلم كثيراً، واليوم بحمد الله قد تغير كثير من ذلك، وفي هذا خير، وما يجري به قدر الله لابد أن نوقن أن فيه الخير، فنلتفت إلى هذا القدر ليكون لنا فيه نفع، كما قال عليه الصلاة والسلام: (عجباً لأمر المؤمن! إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن).