لابد من التركيز على الجوانب المهمة التي نحتاج إليها في إصلاح مجتمعاتنا، ومنها: أولاً: تغيير الفرقة إلى ألفة، فأعظم بلايا أمتنا فرقة صفوفها، وتباعد آرائها، واختلافها في أمرها، ولم يحل بنا ما حل بنا من تمكن أراذل الناس وشراذمهم من اليهود -عليهم لعائن الله- إلا من هذه الفرقة والنزاع والشقاق التي تسلط بها علينا أعداؤنا، وهذا ميدان جهاد عظيم، قال السعدي رحمه الله: الجهاد المتعلق بالمسلمين بقيام الألفة واتفاق الكلمة مهم قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران:103]، وقال سبحانه وتعالى: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} [الأنفال:62 - 63]، ثم قال: فإن من أعظم الجهاد السعي في تحقيق هذا الأصل، وهو تأليف قلوب المسلمين، واجتماعهم على دينهم ومصالحهم الدينية والدنيوية، وفي جمع أفرادهم وشعوبهم، وفي ربط الصداقات والمعاهدات بين حكوماتهم بكل وسيلة، ومن أنفع الأمور أن يتصدى لهذا جميع طبقات المسلمين: من العلماء والأمراء والكبراء وجميع الأفراد، وهذا أمر مهم.
ثانياً: تحويل الفساد إلى إصلاح، فكل فساد ومنكر لابد أن ننهى عنه، وأن نذكر بضرره، والقضية ليست في الأمور المشتبهة، بل نحن نتحدث عن أمور أحكامها صريحة واضحة، يعلمها أكثر المسلمين من الدين بالضرورة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات)، فنحن نريد أن نأمر بالحلال البين، وننهى عن الحرام البين.
أليس الربا حراماً بيناً؟! وهل يحتاج أحد فيه إلى فتوى لهيئة من كبار العلماء أو لمجمع فقهي؟! ألسنا نعرف الوعيد الشديد الذي لم يرد له مثيل في قوله تعالى: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:279]؟! وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الربا أنه سبعون باباً، وأدناه مثل أن يزني الرجل بأمه، والعياذ بالله! وهكذا ما نراه من التبرج والسفور والاختلاط، وحرمتها جلية واضحة دون أن يكون هناك هذا التوجه للتغيير والتذكير، قال الله عز وجل: {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ} [هود:116]، فإن بقيت قلة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فالله يحفظ بها كثيراً من الخير، ويديم بها كثيراً من المعروف، وينقل بها الصلاح والخير جيلاً عبر جيل بإذنه سبحانه وتعالى.
قال السعدي في هذه الآية: وفي هذا حث للأمة أن يكون فيهم بقايا مصلحون لما أفسد الناس، قائمون بدين الله، يحيون به الموتى، ويصبرون منهم على الأذى، ويبصرونهم من العمى، والله سبحانه وتعالى قد بين ذلك.
ثالثاً: تحويل الإعراض إلى إقبال، فالإعراض عن الله وأوامره لابد أن يتحول إلى الإقبال على طاعة الله، والقيام بفرائضه، والأداء لواجباته، والسعي إلى الاستكثار من هذه الخيرات والتطوعات، ولابد من تذكير؛ فإن الحث والتذكير يحصل به من الاعتبار والتعلق بالأجور المذكورة في النصوص ما يعين على فعلها، ولكننا نغفل عن هذا؟