من أول هذه الصور وأجلاها التشديد على النفس بما هو زائد عن الحد المشروع، ورد في حديث قبيصة بن مخلب عن أبيه رضي الله عنه: (أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن من الطعام طعاماً أتحرج منه؟ فقال عليه الصلاة والسلام: لا يختلجن في نفسك شيء ضارعت فيه النصرانية) رواه أبو داود.
قال الشارح: لا يدخل في قلبك ضيق ولا حرج؛ لأنك على الحنيفية السمحة، فإذا شددت على نفسك بمثل هذا شابهت فيه الرهبانية، والمقصود هنا أن بعضاً من الأمور التي تدخل في دائرة الحلال العام ربما نجد من يشدد على نفسه في تحريمها، أو في البحث عن أصولها بحثاً ليس هناك ما يدعو إليه من ناحية الشرع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح: (إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدوداً فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم من غير نسيان فلا تسألوا عنها).
وقد بين الحق سبحانه وتعالى لنا ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا} [المائدة:101]، وهذا ضرب من الضروب، يبعث عليه أحياناً شعور في الرغبة في التورع والاستزادة من الزهد، غير أننا ينبغي ألا ننسى الأمر المهم، وهو أننا متعبدون في دين الله على شرع الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا على نوازع النفس، ولا العواطف، ولا ردود الأفعال.