أولاً: الدعوة إلى الالتزام والنهي عن التجاوز هي مفتاح ما جاء في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وذلك للوقاية من الوقوع في الغلو، ولفهم حقيقته على وجهها الصحيح، نحن نقرأ في كل يوم وفي كل ركعة من كل صلاة فريضة وسنة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:6 - 7].
إنها الدعوة إلى النهج المستقيم، المتزن المتوسط المعتدل الذي هو جوهر ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والتحذير من الخروج عنه تجاوزاً أو تقصيراً، إفراطاً أو تفريطاً، والنهي هنا جاء محذراً من فئتين بوصفين ذكرتهما الآية الكريمة: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) وهم الذين عرفوا الحق وجحدوه، والضالون: وهم الذين ضلوا في معرفة الحق فلم يصيبوه، والخصلة الأولى بين النبي صلى الله عليه وسلم أنها ظاهرة في اليهود، والثانية ظاهرة في النصارى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لما أمرنا الله أن نسأله في كل صلاة أن يهدينا الصراط المستقيم كان ذلك مما يبين أن العبد يخاف عليه أن ينحرف إلى هذين الطريقين.
ثم بين صوراً لذلك فقال: وكان السلف يرون أن من انحرف من العلماء عن الصراط المستقيم ففيه شبه باليهود ومن انحرف من العباد ففيه شبه بالنصارى؛ لأن العالم إذا انحرف فهو ينحرف مع معرفته وعلمه وفقهه، فهو عرف الحق وجحده، إما اتباعاً للهوى أو طلباً للدنيا أو خوفاً على النفس فيما لا يكون عذراً من الناحية الشرعية، والعباد الذين يضلون لا يعرفون الحق، فيبتدعون ويزيدون وينقصون من دين الله عز وجل.