هذه أخبار جديدة تطالعنا يقول فيها مسئول بارز: إننا في حرب في مجال الأفكار بقدر حربنا في مجال الإرهاب، وإن تخفيف الملابس عبر الملابس يشكل وسيلة مثلى للاختراق -ولا أريد أن أفسر تخفيف الملابس؛ لأن بقية الخبر يوضحه- إذ رصد اثنان وستون مليون دولار لإطلاق قناة فضائية ناطقة باللغة العربية هل لنشر العلوم والتقنية؟ هل ستكون لإصلاح الأوضاع والأحوال الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية؟ إن القائمين يقولون: إنهم جندوا فريقاً من الحسناوات والرموز الثقافية في المجتمعات الأمريكية ليكن رسلاً للثقافة الأمريكية التي يودون الترويج لها! وقد يقول قائل في مثل هذا: إن الأمر لن يكون مؤثراً ولا مقبولاً، فأقول: خذوا الأمثلة الواقعية، وهذه كلمات محزنة مؤسفة نقرؤها لكاتب شهير خطير في صحيفة سائرة ذائعة يروي خبراً أعده من باب التشفي والتشهي بأمتنا ليقول لنا: إننا نفعل بكم، ونلعب بمشاعركم، ونغير في عقولكم، وسنصنع بكم ما نريد وما نشاء، لا بأنفسنا ولكن من خلال ألسنتكم، وبأيديكم وبرجالكم ونسائكم! إنه يتحدث تحت عنوان عجيب نصه: اثنان وخمسون وثمانية وأربعون، قلت: لعلها أعوام فيها بعض الأحداث، فإذا بها نسب للتصويت على أفضل المطربين والمغنين في عالمنا العربي الشهير، الذي أصبحنا لا نستطيع أن نعد أو نحصي أعداد أولئك الجيوش من الفنانين أو الفنانات.
يقول هذا الكاتب -وكما قلت: أحسبه ساخراً أو شامتاً-: أؤمن بإمكانية تحول الثقافات تبعاً للتحولات التاريخية والإصلاح الاقتصادي، والتقدم التقني.
ويعطينا المثال على ذلك فيقول: وإذا ما أراد البعض معرفة القضية الرئيسية التي بات العالم العربي يتحدث حولها خلال الأسابيع الأخيرة، فسيجد أنها ليست العراق ولا فلسطين، بل رؤية العرب للنموذج الأمريكي، ويخبرنا عن برنامج بثته قناة عربية على مدى واحد وعشرين أسبوعاً للخروج بأفضل المطربين في عالمنا العربي، ويخبرنا بالأحداث التي وقعت في بعض مراحل هذا البرنامج وتصويته، وأنه قد حصل عراك، وأنه قد سالت الدماء، وأنه حصل إغماء، وأن الشوارع خلت في بعض الدول أثناء عرض البرنامج للتصويت، ويضيف قائلاً -وذلك هو المحزن المؤلم-: إن صديقاً له من تلك البلاد التي فازت فيها مغنيتها أرسل له قائلاً: بالأمس فازت مطربة من جنسيته في مسابقة اشترك فيها ما يزيد على أربعة ونصف مليون شخص، ثم يقول واصفاً الحال: لقد انطلق الناس في الشوارع للتعبير عن فرحتهم حتى الساعات الأولى من الصباح، متى كان هذا؟ ليس لتاريخ هذا المقال سوى أسبوع واحد، وهو يخبرنا عما كان شاغلاً لعالمنا العربي الذي تدمر فيه البيوت فوق رءوس أصحابها، والذي تقذف فيه الطائرات النفاثة البيوت والسيارات لتحرق من فيها فلا يبقى منهم بقية من جسد، ولا أثر من جثة، ثم يكمل هذا الصديق العربي قائلاً: يمكن للقبو العربي أن يتغير، ذلك مفهوم التغيير عند بعض أولئك القوم.
ثم يخبرنا عن كاتب من تلك الدولة يقول في صحيفته السائرة: كان هذا (أي: التصويت والبرنامج) مثالاً مثيراً على مدى قوة التقنية الحديثة في العالم العربي، وذلك في تأجيج المشاعر، ودفع الجماهير للتحرك.
ولست أدري أية مشاعر تلك التي رأى أنها مثالاً مثيراً لتحريكها وإثارتها هل غضبة للأعراض المنتهكة أو للأرض المغتصبة أو للسيادة التي مرغت تحت أقدام القوة الغازية أو لكلمة المسلمين والعرب التي رغم كل هذه الأحداث لم تجتمع لتقول سطراً واحداً فيه شيء من عزة أو قليل من إباء أو بقايا من حياء؟! ثم يقول هذا الكاتب الأمريكي الشهير مختصراً ما يريد أن يوصله لنا في العالم العربي: حيث تستطيع القلة فقط التعبير عن رأيها بحرية، فما بالكم بالإدلاء بأصواتها؟! ها هي القنوات الفضائية تشكل ما قد يصبح في الواقع جدار الديمقراطية، أليس هذا تمويتاً وإماتةً لروح الغيرة والحمية والارتباط بقضايا الأمة ومصيرها، وهي اليوم في أسوأ أحوالها وأضعفها؟ أليس هذا تسميماً للأفكار حتى يكتب الكتاب، ويبعث الأصدقاء، فرحين بالتأثير الهائل للتقنيات الحديثة، لا لترفع مستوى التعليم المنحدر المتهالك في عالمنا، ولا لتجعلنا في صف الدول المتقدمة في تجاراتنا واقتصادياتنا، ولا ولا وإنما لتزيدنا من هز الأوساط وما يلحق بذلك مما يعف اللسان عن ذكره؟! وفي صحيفة محلية تعليق آخر على الحدث ذاته، ولعله كان فيه جانب من النقد الذي يخفف شيئاً من لوعة قلوبنا، إذ بالفعل كانت الصحافة على صفحاتها الأولى مع أخبار القتل والتدمير، نجد خلال الأسابيع الماضية بالفعل خبراً ومتابعة دائمة لهذا الحدث الذي يمثل اختراقاً حقيقياً كما تريد تلك القنوات والوسائل الإعلامية.
يقول الكاتب: استطاع البرنامج تلقين الفرد العربي قيماً اجتماعية جديدة على غرار النموذج الغربي، شباب وصبايا توافدوا من كل حدب وصوب يغنون ويتمازحون، ويتبادلون القُبل أمام المشاهدين، وبمباركة أكثر من خمسة ملايين شخص، صوتوا لصالح تشريع القبل المحرمة تحت مسمى الفن، ثم ينتقد ويختم فيقول: ماذا لو كان هناك سوبر ستار للمبدعين العرب؟ وقد يقول أولئك القوم: إن في تلك البلاد والحضارات مثل هذه البرامج، لكني أقول: إن عندهم ميزانيات هائلة وضخمة، وسارية المفعول لمعامل الأبحار، ولمراكز الدراسات، ولكل العلماء والمخترعين، وإن عندهم ميزانيات هائلة لتصنيع الأسلحة الخفيفة والثقيلة والطبيعية وغير الطبيعية، وإن لديهم وإن لديهم فلا حرج إن فعلوا مثل ذلك، فهم في موقف القوة والانتصار والهيمنة، أما أن تكون هذه الأمة في هذه الحال ثم تغرق في مثل هذه الأمور فإنها سياسة خطيرة للفت الأنظار عن المهمات والواجبات والقضايا الكبرى والحقائق العظمى التي تواجه أمتنا.
ومرة أخرى أنتقل إلى صفحة أخرى، ولست ممن يحب أن يكثر من الأخبار التي قد يكون فيها شيء من الإضعاف أو الوهن، لكن معرفة الواقع أمر مهم.
في أكثر الصحف خلال الأسابيع الماضية صفحة كاملة لإعلان ملفت للنظر، أقرأ لكم فقرات منه لنرى كذلك ما الذي سيشغلنا على مدى تسعة أشهر قادمة؟ وما الذي سيكون موضع اهتمام الشارع العربي كما يقولون في هذا الإعلان عن أبطال الكرة العربية، سطر يقول: مائتان وخمسون مليون متفرج في ملعب واحد، ما هو هذا العدد؟! مائتان وخمسون مليون يعنون به كل شعوب الدول العربية، وأنتم منهم ستكونون جميعاً في ملعب واحد لتتابعوا هذه البطولة! ويقول الإعلان: إحدى عشر مليون كيلو متر مربع قطر الكرة العربية، ويعنون بها: مساحة العالم العربي كله، وتسعة أشهر زمن البطولة، وكلكم معاشر الملايين ينبغي أن تحشدوا كأنكم في ملعب واحد، وكأنكم تتفرجون على كرة واحدة, ليصبح العالم العربي كله بما فيه مهبط الوحي, وأرض الحرمين, وما فيه مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكنانة عمرو بن العاص وتاريخ الأمة المجيد كله كرة قطرها: أحد عشر مليون كيلو متر مربع كما يقول الإعلان، وعلى مدى تسعة أشهر ترقبوا وانتظروا وتأهبوا واستعدوا، ثم بعد ذلك نقول ما قاله كثير من العقلاء والحكماء، وما تقوله أمثلتنا العربية وتراثنا الإسلامي: (لا يبلغ العدو من جاهل مثلما يبلغ الجاهل من نفسه) وتلك قضية خطيرة.
وثالثة كل هذه الأحداث التي أذكر بعض أخبارها، وكلها في يوم واحد وفي صحف نفس اليوم حتى نرى كم هو حجم الإنهاء والإغواء والإغراء، وكذلك صرف النظر إلى ما لا يريد أعداؤنا أن ننشغل به.
لعبة من لعب الكمبيوتر جديدة حديثة، فيها أن اللاعب يصور نفسه، ويظهر على الشاشة، ويمارس اللعب مع أجهزة الكمبيوتر، وهذه الألعاب مشهورة معروفة، وهذا النوع الجديد يستقطب اليوم كثيراً من الشباب صغاراً وكباراً، وتستنفذ فيه من الأوقات لا أقول: آلافاً ولا مئات الآلاف، بل ملايين من الساعات لشبابنا وأبنائنا، أي شيء يجنون؟ وأي بطولة يحققون؟ وأي مهارة يكتسبون؟ وأي خبرة يقتنون؟ وعلى أي خبرة يحصلون؟ إنها قضايا كثيرة، ولذلك لا نود أن نكرر وأن نزيد، فإن الأمر واضح بين، وإننا نقول حينئذ: هل نحن متهمون أو متجنيون عندما نذكر هذه الحقائق؟ وهل يقال بعد ذلك: إن هناك آثاراً وخيمة على شبابنا وأوضاعهم في مجتمعاتنا العربية والإسلامية؟ ويوجد تحقيق آخر كنت أريد أن أطوي ذكره ولكني أعرج عليه، تحقيق يذكر عن بلادنا بعض الظواهر في شبابنا، وأن منهم بعضاً -وقد يكونون قلة في أول الأمر- أصبحوا اليوم يصطحبون معهم كلابهم في النزهات، ويقولون كما يوجد في العناوين العريضة: جمعتنا الصداقة من خلال الكلاب.
وخبراً آخر عن القنوات الإباحية، وانتشار بطاقات فتح تشفيرها، وأن هناك أعداداً خطيرة وكثيرة من هذه القنوات، ثم لا نريد أن يحصل في مجتمعات الأمة بعد ذلك: إما انحراف إلى الجانب الأقصى في اتجاه التهتك والانحلال والانغماس في الشهوات والملذات والمخدرات وغير ذلك من أنواع الجرائم، أو يكون انحرافاً إلى ما يصبح اليوم عنواناً للإرهاب أو التشدد أو التكفير أو غير ذلك، وتضيع الأمة بين طرفي نقيض، والوسط الذي تحدثنا عنه كثيراً يغيب؛ لأننا غيبناه بفعل ما نصنع وخاصة في وسائل الإعلام الفضائية على وجه الخصوص.
ولو أردنا أن نكمل الصورة لوجدنا ما يؤلم ويحزن، ولكننا نريد أن نقول ذلك، وأن نبين هذه الحقائق لكي نكون على بينة من أمرنا، وهذا الأمر الذي ذكرته أعلم يقيناً أن عدداً كبيراً منكم يعلمه، وربما عرفه عن خبرة، وربما شاهده، وربما تابعه، وربما البعض منا يدفع الأموال ليشترك في هذه المجموعات الفضائية، أو في تلك المباريات الكروية أو غيرها، فنحن جزء ممن تمرر عليهم وبهم وفيهم ومن خلالهم هذه القضايا التي يقول عنها الكاتب الشهير: إنها ستحدث التغيير في الثقافات أي: في المبادئ والمسلمات، في التعاملات والعادات، في المبادئ والقيم، وفي الروح العامة التي بدأنا نرى في نفوس أبناء أمتنا ما يستدعي التوقف والحذر، صيحة إنذار لمكامن الأخطار في النفوس والأفكار، لا بد أن نطلقها وأن نشيعها وأن نحذر منها، وألا نقبل باستمرارها، وألا نكون نحن وقوداً لها.
نسأل الله عز وجل أن يقينا الشرور والآثام، وأن يعصمنا وأن يحمي أهل الإيمان والإسلام، إنه ولي ذلك وا