لابد من استدامة الدعوات، فنحن سمعنا الدعاء يتكرر في المحاريب عند وقوع الكارثة، وعند حلول المصيبة، ثم الآن كأنما الألسن قد عجمت عن الدعاء، وكأنه لا يكون الدعاء إلا إذا كان في الصلاة وإذا كان في القنوت وإذا كان وراء الإمام، فهل نحن ندعو الآن بما ينبغي أن ندعو به من نصر الإسلام والمسلمين، ومن تثبيت إخواننا المسلمين؟! وهل انتهت قضية المسلمين في العراق؟! وهل انتهت من قبل قضيتهم في أفغانستان؟! وهل انتهت من قبل أكثر من نصف قرن في فلسطين وفي كشمير؟ وهل توقفت المواجهات في الشيشان؟ وهل وهل؟! نحن كأنما نشتغل بهذه الأمور المواجهة والمباشرة؛ فإن جاءت تحركنا بقدرها، واستيقظنا بحسبها، ثم عدنا إلى نومنا وغفلتنا وإعراضنا عن تعليق قلوبنا بربنا، ورفع أكفنا إليه، ودوام استمدادنا منه، وعظمة تضرعنا وذلنا وخضوعنا بين يديه سبحانه وتعالى.
ولا شك أننا نعلم ونوقن أن السلاح البتار الفتاك عند أهل الإيمان والاعتقاد الجازم هو الدعاء الخالص لله سبحانه وتعالى، ولا ينبغي أن نغفل عن قوة هذا السلاح وأثره، ولقد كان -يوم كان الناس أهل إيمان وأهل صدق وحسن صلة بالله- سلاحاً يظهر أثره مباشرة، وكلنا يعلم أن سعداً كان مجاب الدعوة، فقد جاء رجل وتكلم بين يديه في طلحة والزبير، فنهاه، فلم ينته، فدعا عليه، قال الراوي: فجاء جمل كأنما يشم الناس حتى عمد إلى هذا الرجل فبطش به وقتله! أي: استجاب الله دعوة سعد رضي الله عنه.
وسعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة ادعت عليه امرأة زوراً وبهتاناً وافتراءً أنه أخذ شيئاً من أرضها، فلما ووجه بذلك، قال: كيف يكون هذا، وأنا أعلم حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من اقتطع قيد شبر من أرض طوقه من سبع أرضين يوم القيامة)؟ ثم دعا فقال: (اللهم إن كانت كاذبة وهي تعلم أنها كاذبة، فأعم بصرها، واقتلها في دارها).
فوقع الأمر كما دعا رضي الله عنه وأرضاه.
وكانت في قصص المواجهات والقتال أيضاً أحوال وسير عظيمة، منها: دعاء البراء بن مالك الذي قال له الصحابة في يوم اليمامة بعد أن اشتد وطال الحصار الذي ضربوه على مسيلمة وأصحابه: أنت من قال فيك رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره) فادع الله لنا، فدعا وقال: (اللهم امنحنا أكتافهم، وانصرنا عليهم الغداة)، فما انتهى اليوم إلا بنصر عظيم للإسلام وأهله!