الأمر الثاني: العمل والبذل والتضحية: لا يمكن أن تجد ثمرة بدون عمل، ولا نتيجة بدون جهد، تلك سنة من سنن الكون والحياة، من يريد المال ألا يبذل ويتعب، من يريد الرقي في الوظائف ألا يجتهد ويبذل، من يريد تحقيق أي غاية ألا يسعى إليها، وقد يواصل ليله ونهاره: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:105].
لا يغنينا الانتساب إلى الإسلام، ولا يكفينا الانتماء إلى الإيمان، ولا يعفينا من القيام بمهماتنا أننا من بلاد الحرمين أو من هذه البلاد أو تلك، أو أننا من أولئك القوم أو من نسلهم، فقد قال محمد صلى الله عليه وسلم: (يا فاطمة بنت محمد اعملي، فوالله لا أغني عنك من الله شيئاً، يا عباس اعمل، فوالله لا أغني عنك من الله شيئاً)، وفي حديث آخر قال: (من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه).
إن الانتساب للدين، والانتماء للأمة، لابد أن يكون له حقيقة يصدقها العمل والبذل لا في ذات الإنسان نفسه بل في كل الدوائر، فأنت مسئول عن نفسك: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر:38]، وأنت مسئول عن أهلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6]، وأنت مسئول عن الأمة كلها بما ينبغي عليك من أمر بمعروف ونهي عن منكر: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [التوبة:71]؛ يوم نفقه ذلك نتذكر ما كان عليه عمر رضي الله عنه، يوم كان لا ينام ليله حتى يعس ويتفقد أحوال المسلمين، حتى قال: (لو عثرت بغلة في العراق لخشيت أن يسألني الله عنها).
يوم كانت المسئولية العظيمة تملأ القلوب فتزهد في الدنيا، ويبذل أصحابها قمة البذل والعمل، حتى وقف عقبة بن نافع على شاطئ الخضم والبحر العظيم يقول: والله لو كنت أعلم أن وراءك قوماً لخضتك مجاهداً في سبيل الله، ومبلغاً لدين الله.
يوم تكون قمة الفهم والوعي والإدراك مستقرة في القلوب، تتحرك النفوس بالعمل وتعلو الهمم، ويكون للمسلمين بذل وعطاء عظيم.