ماذا نعني بخصوصيتنا الإسلامية؟

أيها الإخوة المؤمنون! إننا إذا انتبهنا لهذا المعنى نستطيع أن نجد عشرات ومئات من الآيات والأحاديث تبين ذلك، ولكننا في الوقت نفسه ندرك ونعي أن خصوصيتنا الإسلامية لا تعني أننا لا نتصل بالآخرين ولا نعرف كيف نتعامل مع الأمم الأخرى، فإن تاريخ إسلامنا قد دخل وانتصر على الحضارة الفارسية والرومانية واليونانية، وكثير من الحضارات الأخرى، فما دمرها وهدم بيوتها على رءوس أصحابها، وإنما استطاع أن يستوعب أهلها، ويدخل أكثرهم في دين الله أفواجاً، وأن يأخذ حضارتها المادية، فورث العلوم والفكر الحضاري المادي الذي لا يتعلق بالتصورات والعقائد، وبقيت أمة الإسلام أمة متميزة بإيمانها وعقيدتها وإسلامها وأخلاقها ومبادئها وثقافتها، لم تنسخ ولم تذب في غيرها.

بل إن المسلمين الذين خرجوا إلى فجاج الأرض شرقاً وغرباً، والذين أقاموا في بقاع مختلفة من شتى أنحاء العالم هم الذين -في جملتهم- كانوا المستعصين على الذوبان، ولو ذهبتم اليوم إلى بلاد كثيرة لرأيتم كيف ذابت شعوب وحضارات شرقية في تيار الحضارة الغربية، فالصيني أو الياباني الذي يعيش اليوم في أمريكا لا تكاد تعرف منه شيئاً من أصله إلا شحمته ووجهه التي خلقه الله عز وجل عليه، ولكنك ترى مسلمين ولدوا في تلك الديار ونشئوا فيها، وتعلموا في معاهدها، وتخرجوا من جامعاتها، وقلوبهم مليئة بالإيمان، وصدورهم عامرة بالإسلام، وألسنتهم ناطقة بالقرآن، وجباههم ساجدة في محاريب الصلاة، وهم في أعلى المستويات العلمية في كل المجالات التقنية والطبية والهندسية وغيرها، فهل هؤلاء أيضاً منغلقون وأغبياء وحمقى، ولا يعرفون كيف يأخذون بحضارة هذا العالم المعاصر في جانبها المادي والتقني؟! ينبغي أن نأخذ مبدأ التوسط في معرفة الأمور، فليس كل شيء يقبل كاملاً على علاته أو يرفض كاملاً بكل ما فيه، بل العاقل المنصف، والأريب الأديب الذي يأخذ الحق فيستخلصه من بين براثن الباطل، ويقول: إنه حق وإن جاء من هذا الشخص أو ذاك، أو من هذه الجهة أو تلك، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها.

نحن أمة الإسلام أمة عمارة الأرض؛ لأن الله عز وجل خلقنا واستخلفنا في هذه الأرض لعمارتها، فكل ما هو من شأن عمارتها مطلوب منا شرعاً بدين الله عز وجل، كما عمر أسلافنا الأرض بالعمارة المادية والمدنية، وأقاموا الحضارة العلمية في أزمنتهم المختلفة في حواضر العالم الإسلامي كلها، حتى في الأندلس وما أدراك ما الأندلس؟! وهي حضارة امتدت على مدى ثمانية قرون ولا تزال مؤلفاتها ومخترعاتها إلى يوم الناس هي الأساس والقاعدة التي تم الانطلاق منها.

وقضية أخرى مهمة: ينبغي لنا ألا نغفل الواقع والتدخلات والضغوط الخارجية، وألا نغفل ما تحدث عنه المتحدثون كثيراً وطويلاً، وهو: أن الفكرة المسماة بالعولمة إنما تريد أن تجعل الناس شيئاً واحداً، لكن أي شيء؟ إنهم لا يريدون شيئاً واحداً مشتركاً، بل يريدون أن تتحدث بلسانهم، وأن تفكر بعقولهم، وأن يخفق قلبك بمشاعرهم، وأن تنزل إلى أرذل وأسفل دركات سلوكياتهم القذرة، ولذلك يقولون: لماذا تحجبون المرأة؟ لماذا تمنعون الاختلاط في التعليم؟ لماذا لا تكون عندكم أسر مثلية فيتزوج الرجل الرجل، والمرأة المرأة؟ لماذا لا تكون عندكم نواد مفتوحة وشواطئ للعراة؟ فذلك موجود عندهم، ويريدون أن يكون في كل الأرض شرقاً وغرباً، فعندما نتحدث عن بعض الأخطاء في واقعنا، أو عن بعض ما يحتاج إلى مراجعة هنا أو هناك، فلماذا لا ننتبه إلى أن حديثنا ينبغي أن يكون مضبوطاً؛ حتى لا يكون مواكباً وموافقاً لما يريده أعداؤنا منا فينبغي أن ننتبه إلى ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015