ثم إذا جئنا إلى اللغة وما أدراك ما اللغة؟! لغة القرآن، لغة الفصاحة والبيان، التي أصبحت اليوم غريبة في ديارها، لا يحسن أهلها أن يقيموا حروفها، وأن يفصحوا في إعرابها، ولا أن يظهروا بلاغتها، وصار كثير منهم لا يكاد يتكلم جملة إلا ويحشر في كلماتها من تلك اللغة أو الأخرى كلمات لا تعود تعرف هل هو من أبناء هذه اللغة أو غيرها؟! وأسألكم: من يتحدث بالعبرية في أنحاء العالم؟ كم عددهم؟ ومع ذلك كل مدارسهم ومعاهدهم وجامعاتهم وكليات طبهم لا تتحدث ولا تدرس إلا بها، ولو ذهبت إلى أقصى الشرق في بلاد اليابان لما رأيت أحداً يلتفت إليك، ما لم ترطن برطانته وتتكلم بلغته، ولو ذهبت إلى فرنسا لرأيت أنها تعتز بلغتها وتأبى أن تتحدث بغيرها، وتحرص على حمايتها، ومنع تسرب اللغات الأخرى بحيث تكون هي الأصل في أبناء جلدتها، وانظروا إلى التجمعات الكثيرة العالمية كالجامعات التي نرى فيها أن أظهر سمة فيها هذه اللغات، فما بالنا نقول: لم تتحدثون بالعربية؟ ولم تصرون على الفصحى؟ ولم تريدون أن تجعلوا التعليم في معاهدنا وجامعاتنا بهذه اللغة غير العلمية؟ وبالمناسبة: يغتر بعض الناس باللغة الإنجليزية، ولا يدركون أنها من حيث النسب ليست عالمية، فإن نسبتها دون نسبة اللغة الصينية التي تشكل (15%) من سكان العالم كله، ولذلك أقول: هذا المعنى مهم، وسنذكر أهميته في صور كثيرة عظيمة قد يضيق مقامنا عن ذكرها.