وإذا التفتنا إلى سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم فإننا سنرى أحاديث كثيرة كلها يبدأ بقوله: إياكم! إنها لفظة التحذير التي ترفع الضوء الأحمر للتدليل على الخطر قبل وقوعه، والتنبيه عليه قبل الوصول إليه، وهذا رسولنا عليه الصلاة والسلام يقول: (إياكم والجلوس في الطرقات! قالوا: يا رسول الله! مجالسنا ما لنا منها بد، قال: فإن كنتم فاعلين فأعطوا الطريق حقه: غض البصر، ورد السلام، وكف الأذى).
وهذا من حرصه عليه الصلاة والسلام على لفت الأنظار إلى ضرورة الوقاية، ولكن حالنا اليوم بخلاف ذلك؛ حيث لم يأخذ كثير من الناس بهذا التحذير، فصار في مجتمعاتنا ما نشكو منه من جلاس الطرق وأبناء الشوارع الذين يؤذون الرائح والغادي، ويتعرضون للنساء، وهذا جزء مما يقع إذا لم يأخذ الناس بالتحذير، وإذا لم يلتزموا الوقاية.
وهذا رسولنا عليه الصلاة والسلام بين شأن الفتنة العظمى والبلية الكبرى التي بدأ الناس يتجاوزون فيها حدود الوقاية، ثم يشكون من الآثار والأضرار والأخطار، وذلك في شأن المرأة ودعوة الاختلاط والتخفف من الحجاب ونحو ذلك، ولنا في كل هذا أحاديث مفصلة: يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إياكم والدخول على النساء! قالوا: يا رسول الله أرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت)، والحمو: أقارب الرجل.
ولعل هذا الحديث بمجرد التأمل في لفظه من غير شرح ولا تفصيل يبين لنا أن القضية تحذيرية، وأنها إشارة قوية؛ لئلا يقع المحظور الذي يكون بعده عض أصابع الندم واللطم، أو محاولة العلاج بعد ألا يكون هناك فائدة.
ويقول عليه الصلاة والسلام: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم)، ويقول: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا ومعها ذو محرم)، وغير ذلك من أحاديثه عليه الصلاة والسلام في الناحية الإيمانية والتربوية.
وروى الإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إياكم ومحقرات الذنوب! فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه)، وكم نرى نحن في حالنا ما نقول فيه أو عنه: هذه بسيطة، وهذه يسيرة، وهذه لا بأس بها، وهذه نسأل الله عنها العافية، وهذه وهذه وهذه؛ حتى تهلكنا تلك الذنوب التي نراها صغائر! وكان أنس رضي الله عنه يقول: (إنكم لتعملون أعمالاً هي في أعينكم أدق من الشعر، كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات).
فلما حذروا ولما انتبهوا ولما تيقظوا، ولما كانوا على أهبة الاستعداد وعلى قدم المواجهة وعلى عقلية اليقظة والفطنة تنبهوا لذلك فسلموا، وعوفوا بإذن الله عز وجل، ولما غفل الغافلون وتساهل المتساهلون، وفرط المفرطون وردت إلينا أدواء القلوب وأمراض النفوس، وبدأت تشيع بين الناس بعض المنكرات وبعض الجرائم وبعض المشكلات التي يلتمسون لها حلاً، والحل فيما فرطوا فيه وفيما تركوه من أسباب الوقاية، فالأب مثلاً لا يسأل عن ابنه ولا يلتفت إلى ابنته ولا يربي أبناءه ثم يشكو أن ابنه قد صار صريع المخدرات! أو أن ابنته صارت من اللاهيات العابثات! وهذا أمر نعرفه في حياتنا الاجتماعية.
وهكذا في الجوانب المهمة الأخرى تأتينا التحذيرات النبوية؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: (إياكم والغلو في الدين)، وقوله: (هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون)، وقال: (إن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى)، وقال: (إن هذا الدين يسر ولن يشاد أحد هذا الدين إلا غلبه؛ فأوغلوا فيه برفق).
هكذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم وحذر حتى فيمن يريد أن يزيد أو أن يتقدم، ولكنه يتقدم بما لم يثبت في كتاب الله، وبما لم يؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجعل من السنة واجباً، ومن الواجب فرضاً، ويغير الأمور حباً بزعمه للخير، ورغبة في القوة في الحق، وهو متنكب للطريق ينسى ما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم.
وهكذا نرى في القرآن والسنة منهجاً واضحاً لهذه الوقاية، وتأكيداً عليها وتنبيهاً على أهميتها، وتذكيراً بخطر التهاون فيها.