إن القدرة والاستعداد على التغيير هي أن يغير الإنسان السوء إلى الحسن، والمعصية إلى الطاعة، فكثيراً ما يجد الإنسان أنه يدور في حلقة مفرغة، يسمع العبرة والتذكرة ويتأثر بها ثم لا يُغَيِّر أو يُغَيَّر ثم يرجع، فتأتي فريضة الحج وإذا بها دورة عملية فيها من أولها إلى آخرها استجابة موفقة لله عز وجل وبعد تام وتوق دقيق لكل معصية ومخالفة لأمر الله عز وجل، فإذا بها ترفع في الإنسان المسلم فعالية وقدرة التغيير نحو الأصلح، والله عز وجل قال: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:11].
إذاً في الحج تتغير النفوس والقلوب تغيراً جذرياً، هذا إذا أديت العبادة على وجهها المطلوب ووفق حكمتها ومشروعيتها التي أرادها الله سبحانه وتعالى، فإنك تجد هذه القدرة ترتبط بهذه المعاني، فالمسلم في الحج يحظر عليه أن يقص شعره، وأن يقلم ظفره، أو أن يقطع شجرة، بهذه الأوامر يتعود على أن لا يقطع حرمة المسلم، وهو في الحج لا يستعمل الطيب بعد إحرامه ولا يمسه، والطيب في الأصل حلال، فبهذا يتعود على الاستجابة لأمر الله بحيث لا يمس شيئاً مما حرمه الله عز وجل، فلا يمس مالاً حراماً ولا يمس امرأة حراماً، ولا يمس أي أمر فيه حرمة وكراهة في شرع الله سبحانه وتعالى.
ثم إنك -أيها المسلم- تخلع المخيط لتخلع زينة الدنيا وتتحلى بلباس التقوى، ولذلك ينبغي أن تتعود على أن تنخلع من كل معصية ومن كل أمر تتحلى وتتزين به، إلا أن يكون ذلك كما قال الله سبحانه تعالى: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف:26].
وكذلك يستجيب الإنسان المسلم لأمر الله سبحانه وتعالى حيث يرفع صوته بالتلبية ويعلنها: (لبيك -اللهم- لبيك) وما من عبادة إلا والنية فيها مضمرة، إلا الحج فإنه يصرح ويقول: لبيك -اللهم- حجاً.
أو: لبيك -اللهم- عمرة.
لأن هذه الفريضة مقصود فيها إعلان الاستجابة والتعود عليها، ولذلك حينما ترمي الجمار فإنك تعلن العداء للشيطان والمناوأة له، وتعلن همتك الإيمانية على قدرتك على تجاوز وسواسه وهمزه ونفثه لتطيع الله سبحانه وتعالى وتدحر الشيطان وما يضلك به أو يوسوس به إليك.
والدروس في ذلك كثيرة، لكنها في الحج تتجسد في صورة تربوية عملية وهذا من الأمور المهمة.