من معالم العصمة من الفتنة الصبر والثبات، ولا بد من ذلك، فإنها محن لا بد أن تصيب بالأذى، ولا بد أن يشعر بما فيها من البلاء، ولكن الصابرين بإذن الله عز وجل تكون لهم الغلبة والمخرج السالم البريء من أثر وخيم على إيمانهم ويقينهم، أو على سلوكهم وأخلاقهم، كما قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة:155 - 157].
هذه آيات ناطقة بأثر هذا الصبر في مثل تلك المحن والبلايا، وقد قال جل وعلا: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} [آل عمران:120] لا يضرنا كيد الكائدين، ولا ظلم الظالمين، ولا عدوان المعتدين، وأهم شيء أن لا يضرنا في ديننا واعتقادنا وإسلامنا وثوابتنا والتزامنا شرع الله سبحانه وتعالى وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، والله جل وعلا يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة:153]، وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، وقال عليه الصلاة والسلام: (ما أعطي أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر).
وقال في دلالة هذا الصبر عند المحن: (يأتي على الناس زمان الصابر فيه على دينه كالقابض على الجمر)، ومن هذا الصبر -كما ذكر العلماء- الصبر بكف اللسان، والمنع من الخوض في الفتن من غير بصيرة وعلم وبيان، ونحن نعلم أن كثيراً من القول في مثل هذه الأحوال باندفاع وعواطف ومجاراة لمن يقول ويخوض مع الخائضين إنما تعظم به الرزية، ويكثر به الاختلاف، وتعظم به الحيرة والاضطراب، وكثير من ذلك ليس له أساس يثبت، وإنما هو محض هذه الاضطرابات والاختلافات، وكذلك التنابز بالألقاب، والاختلاف بين الناس يعظم أثره بما يكون من قول اللسان في هذه الفتن، حتى عظم الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك على وجه الخصوص في الفتنة، كما روى عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تكون فتنة تستنظف العرب) أي: تستوعبهم هلاكاً، (تكون فتنة تستنظف العرب، قتلاها في النار، اللسان فيها أشد من وقع السيف) رواه أبو داود وابن ماجة في سننهما، وأحمد في مسنده بسند صحيح.
(اللسان فيها أشد من وقع السيف) وذلك أمر مهم.